تحقيق كتاب الصوفية والتصوف في ضوء الكتاب والسنة

تحقيق كتاب
الصوفية والتصوف في ضوء الكتاب والسنة
للشيخ يوسف السيد هاشم الرفاعي
الكويت
1419هـ - 1999م

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد
المبعوث رحمة للعالمين

دمشق في 5/2/2000م - الموافق 1 ذو القعدة 1420هـ
السيد المحترم الشيخ / يوسف السيد هاشم الرفاعي
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد،
تحية طيبة مباركة من عند الله تعالى إليك وإلى كل من تحب من أهل طريق الله تعالى.
لقد أرسلت إليك نسخاً من رسالتين مع تلميذك أبي زاهر قطان، لتقرأهما وتوصلهما إلى من ترى أنه يهمه الاطلاع، الرسالة الأولى بعنوان "علماء أم سفهاء" والثانية بعنوان "الإسلام والسلم" وآمل أن تصلني منك ملاحظاتك على ما جاء فيهما.

لقد وصلتني هديتك المباركة "الصوفية والتصوف في ضوء الكتاب والسنة"، وقد قرأت كتابك بتدبر، ورأيت أن من واجبي الديني والعلمي، ومن حقك عليّ في الأخوة، أن أكتب إليك بملاحظاتي على ما جاء في كتابك، حتى إذا رأيت أنها حق، تعمل على تدارك ما جاء في كتابك:

1- ما نقلته في ص17 من كتابك عن الشيخ ابن العربي من الباب 314 من الفتوحات المكية صحيح ولكن يحتاج إلى ضبط في النقل كما جاء في الجزء الثالث ص52، وأما الشعر فهو من ديوان الشيخ ابن العربي ص441 وليس من الفتوحات، وقد جاء ذكر هذه الأبيات في كتابي "الرد على ابن تيمية" ص105 - والكتاب بين يديك.

2- جاء في كتابك ص26 تحت عنوان "عقيدة أهل التصوف" أن الصوفي الكبير الشيخ عبد الوهّاب الشعراني بينها في كتابه "الأنوار القدسية في معرفة قواعد الصوفية" ثم ذكرت هذه العقيدة، ثم علقت عليها في ص33 بقولك: تلك عقيدة أهل التصوف كما بينها الصوفي الكبير عبد الوهّاب الشعراني صاحب المؤلفات الكثيرة في علم التصوف، وهي عندما يتدبرها المنصف يراها مطابقة تماماً، بل هي نفس عقيدة السواد الأعظم أهل السنة والجماعة . . .إلخ اهـ
هذه العقيدة يا أخي نقلها الشيخ الشعراني عن الشيخ الأكبر ابن العربي بالنص والحرف، كما وردت في الفتوحات المكية الجزء الأول ص36، وقد ذكرتها في كتابي "الفقه عند الشيخ الأكبر ابن العربي" في الجزء الثالث - التوحيد والعقيدة - وكتابي "ترجمة حياة الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي" في خاتمة الكتاب، والكتابان بين يديك، فكيف غابت عنك هذه الحقيقة؟ فلزم التصحيح وأن تنسب العقيدة الواردة في كتابك إلى صاحبها.

3- تكرر اسم ابن حجر العسقلاني تحت رقم 1 و 6 في ص34، ص35 فلزم التصحيح.

4- رسالة الشيخ حسن خالد مفتي الجمهورية اللبنانية في ص96 وما بعدها، رسالة رجل وهابي المذهب، كلها غمز وافتراء على الصوفية، كما جاء في ص97، 100، 101، 104، كلها طعن وإنكار على الاستغاثة والشفاعة والدعاء وزيارة الشيوخ أحياءً وأمواتاً، فهي رسالة غير صالحة لنشرها في كتابك.

5- تبرؤك من مقولة ابن عربي في إبليس مع تحفظك بأنه لا يمنع أن تكون مدسوسة عليه كما جاء في كتابك ص128، والمقولة هي التي جاءت في السؤال الثامن من أسئلة الصحفي "مهدي عبد الستار" في ص142، وهي: "أن ابن عربي يقول إن إبليس موحد عابد وأنه من أهل الجنة" وكان جوابك "الحقيقة أنني لم أقف على شيء من هذا، لكني سمعت أن ابن عربي يقول في أحد كتبه، أن إبليس إما أن يسامحه الله أو أنه سيدخل النار ثم يخرج منها" اهـ - هذا جواب لا يليق بمثلك من أهل العلم، وأنت تحمل لواء الدفاع عن الصوفية، ولا يجوز أن يسجل عليك مثل هذا الكلام وينشر في صحيفة يومية ثم تدونه في كتابك، ممن سمعت؟! وفي أي كتاب؟! ثم تجيب على سؤال الصحفي رقم (10) ص144 فتقول: نعم أتبرأ من مقولة ابن عربي، لأنها توحي بالتساهل في أمر إبليس وتوحي بالتقليل من خطره، وتدعو الإنسان لأن يخفف من جرم إبليس" اهـ - هذا ما نشر على لسانك في جريدة الأنباء الكويتية وسجلته في كتابك، وهو اعتراف منك بنسبة المقولة إلى الشيخ ابن العربي، وهو اعتراف خال من تحفظك الوارد في ص128.
كيف تتبرأ يا أخي من مقولة لا توجد في أي كتاب من كتب الشيخ ابن العربي، ولا توجد حتى في كتاب "فصوص الحكم" المنحول والمملوء بالتزوير والدس على الشيخ ابن العربي؟! إليك يا أخي ما قاله الشيخ ابن العربي عن إبليس كما جاء بالنص الحرفي، في الجزء الأول من الفتوحات المكية ص232، السطر الثاني:
هبوط إبليس هبوط خذلان وعقوبة واكتساب أوزار، فإن معصيته كانت لا تقتضي تأبيد الشقاء، فإنه لم يشرك بل افتخر بما خلقه الله عليه، وكتبه شقياً، ودار الشقاء مخصوصة بأهل الشرك، فأنزله الله إلى الأرض ليسن الشرك بالوسوسة في قلوب العباد، فإذا أشركوا وتبرأ إبليس من المشرك ومن الشرك، لم ينفعه تبريه منه، فإنه هو الذي قال له: اكفر، كما أخبر الله تعالى، فحار عليه وزر كل مشرك في العالم، وإن كان موحداً، فإنه من سن سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها، فإن الشخص الطبيعي كإبليس وبني آدم، لابد أن يتصور في نفسه مثال ما يريد أن يبرزه، فما سن الشرك ووسوس به حتى تصوره في نفسه على الصورة التي إذا حصلت في نفس المشرك زالت عنه صورة التوحيد، فإذا تصورها في نفسه بهذه الصورة، فقد خرج التوحيد عن تصوره في نفسه ضرورة، فإن الشريك متصور له في نفسه إلى جانب الحق، الذي في نفسه متخيلاً، أعني من العلم بوجوده، فما تركه في نفسه وحده، فكان إبليس مشركاً في نفسه بلا شك ولا ريب، ولا بد أن يحفظ في نفسه بقاء صورة الشريك ليمد بها المشركين مع الأنفاس، فإنه خائف منهم أن تزول عنهم صفة الشرك، فيوحدوا الله فيسعدوا، فلا يزال إبليس يحفظ صورة الشرك في نفسه، ويراقب بها قلوب المشركين الكائنين في الوقت شرقاً وغرباً وجنوباً وشمالاً، ويردّ بها الموحدين في المستقبل إلى الشرك ممن ليس بمشرك، فلا ينفك إبليس دائماً على الشرك، فبذلك أشقاه الله، لأنه لا يقدر أن يتصور التوحيد نفساً واحداً لملازمته هذه الصفة، وحرصه على بقائها في نفس المشرك، فإنها لو ذهبت من نفسه لم يجد المشرك من يحدثه في نفسه بالشرك، فيذهب الشرك عنه، ويكون إبليس لا يتصور الشرك لأنه قد زالت عن نفسه صورة الشريك، فيكون لا يعلم أن ذلك المشرك قد زال عن إشراكه، فدل أن الشريك يستصحب إبليس دائماً، فهو أول مشرك بالله، وأول من سن الشرك، وهو أشقى العالمين. اهـ
هذا قول الشيخ ابن العربي في إبليس، فأين هذا الكلام من قول الصحفي: "إن ابن عربي يقول إن إبليس موحد عابد ومن أهل الجنة"؟ وهو كلام لا يوجد في أي كتاب من كتب الشيخ الثابتة، وهل هذا كلام فيلسوف أم فتح إلهي وتعليم رباني؟!!
يجب إطلاع الصحفي مهدي عبد الستار على هذا الكلام في الأصل من الفتوحات المكية، وقد ذكرت هذا النص في كتابي "رحمة من الرحمن في تفسير وإشارات القرآن - من كلام الشيخ الأكبر" في تفسير سورة الحشر، وأظن أن مكتبتك العامرة لا تخلو من هذا التفسير، وإذا ثبت أن مقولة الصحفي مكذوبة على ابن العربي، فما يمنع أن تكون مكذوبة على الحلاج؟!

6- عدم إجابتك على سؤال الصحفي رقم (5) عن الحقيقة المحمدية وأنه المستوي على العرش وينزل الوحي، عدم إجابتك توهم أن هذه العقيدة عند بعض الصوفية، وكانت إجابتك بعيدة عن موضوع السؤال، فقد قسمت التصوف إلى مدرستين، مدرسة سلوكية ملتزمة بالكتاب والسنة، وذكرت منهم عبد القادر الجيلاني، والقسم الثاني أطلقت عليه مسميات مختلفة مثل مدارس "فلسفة التصوف" إلى غير ذلك، وجعلت منهم محيي الدين ابن العربي، وكما جاء في كتابك من إنكارك للشطح، فمعلوم لدى الخاص والعام، أن شطحات عبد القادر الجيلاني مما سارت بها الركبان، وعمت جميع البلدان، فأراك يا أخي تغاضيت عن ذلك، وإليك ما قاله الشيخ الأكبر ابن العربي وهو قريب عهد بعبد القادر الجيلاني، يقول عنه في الفتوحات ج2ص14، ج3ص560: كان عبد القادر رضي الله عنه واحد زمانه في مقامه، فقد كانت له الصولة والاستطالة بحق على الخلق، فكانت تغلب عليه الشطحات، لتحققه بالحق، فيظهر العلو على أمثاله وأشكاله، وعلى من هو أعلى منه في مقامه، فكان رحمه الله ممن يشطح على الأولياء والأنبياء بصورة حق في حاله، فكان غير معصوم اللسان كما كان كبير الشأن.اهـ، فعبد القادر الجيلاني لم يخرجه شطحه ولم تخرجه أنت عن أنه من أئمة التصوف (كما هو في واقع الأمر) كما أخرجت محيي الدين ابن العربي وهو عند الصوفية شيخ المحققين ومربي العارفين، وهو فقيه مجتهد مطلق من أهل السنة والجماعة عند من اطلع على فقهه، وسماه الشيخ الشعراني الشيخ الأكبر والكبريت الأحمر، فأخرجته من الصوفية وجعلته في تقسيمك من الفلاسفة والمفكرين الذين قد يكونون تأثروا بالفلاسفة اليونانيين وغيرهم، وجعلته من الفلاسفة الذين لا تتبعهم ولا تعتقد في آرائهم، وهذا رأي يخصك، ولكن كيف نوفق بينه وبين ما أثبته في كتابك، واستشهادك بكلام الدكتور محمد سليمان فرج، الذي جعل الشيخ ابن العربي أحد أئمة أتباع الكتاب والسنة، كما جاء في كتابك ص168 تحت رقم (10)؟! وهل عقيدة ابن العربي التي نسبتها إلى الشعراني وجعلتها عقيدة أهل التصوف وأهل السنة والجماعة يصح أن تكون عقيدة فيلسوف؟! وهل الذي يُسلِم من المستشرقين بعد قراءة كتب الشيخ ابن العربي وأفكاره المبنية على هذه العقيدة تصحح أفكاره كما قلت في كتابك ص138؟!!

7- أما جوابك على سؤال الصحفي رقم (5) عن وحدة الوجود وأنها عقيدة فاسدة، جوابك لا يشفي غليلا ً ويجانب الصواب، فقد اقتصرت على قولك إن في كتب ابن العربي (ما يفهم عنه وحدة الوجود) كما يوجد فيها (ما ينكر وحدة الوجود) وأن هذا تناقض يؤول لصالحه.اهـ - الثابت أن كل كلام الشيخ ابن العربي يدل على وحدة الوجود وليس فيه تناقض، ولكن هو كلام عن وحدة الوجود بمفهومها الإسلامي المستند إلى الكتاب العزيز والحديث الصحيح، وليس بمفهوم وحدة الوجود الكفرية التي تثبت في جوابك أن محي الدين ابن العربي يثبتها مرة وينكرها أخرى، ولو قرأت عن وحدة الوجود كما جاء في كتابي "شرح كلمات الصوفية" في عشرين صفحة بنص كلام الشيخ ابن العربي، وأدلته مع المراجع - وهو بين يديك - لما ذهبت هذا المذهب.

8- جوابك على سؤال الصحفي رقم (6) أن الحلاج وابن الفارض والعفيف التلمساني وعبد الغني النابلسي والتيجاني ممن يقولون بسقوط الفرائض وإتيان المحرمات كشرب الخمر والزنا واستباحة الكبائر.اهـ، جوابك كما جاء في ص140: "حتى لو سلمنا بأن بعض من ذكرتم قد شطح وانحرف فإنهم لم يكونوا بهذا القدر من السوء والمخالفة للشرع، وخاصة فيما يتصل بارتكاب الكبائر والمحرمات"اهـ، جوابك هذا جواب غير موفق، وكان يجب أن يكون ردك على هذا السؤال وما جاء من أسئلة الصحفي رقم (5، 8، 10) هو ما جاء في ردك على سؤاله رقم (7) في ص142 وهو: "من يدعي على الصوفية هذا الكلام فليأت بدليل، فهذا كلام نسمعه، وليس عليه دليل قائم، وهذه تهم تلصق بالتصوف، وهي غير موجودة في كتبهم ولا سلوك أتباعهم" اهـ.

9- قولك في ص154 وصل الأمر بأحدهم حيث سئل عن إطراء النبي صلى الله عليه وسلم وآله، فقال: هذا شرك وهذا كفر، فإن هذا مغالاة، وبعد برهة يسأله عمن يقول: يا صاحب الجلالة، فيجيب: يجوز تكريم من يستحق التكريم.اهـ
لا أعرف لماذا أمسكت عن ذكر اسم صاحب هذه المقولة كائناً من كان، وأنت تعلم أن أصحاب هذه المقولة يشهرون ويكفرون أعلام المسلمين ويكذبون على الأئمة بأسمائهم أحياء وأمواتاً، لا شك أن كتابك سيكون مع الأيام مصدراً من مصادر الاستدلال، فلا يجوز أن نفعل ما ننكره على أعداء التصوف في كتبهم ومنشوراتهم، من قولهم: يقول الصوفية كذا وكذا، ومن قولهم: يقول أحدهم كذا وكذا، ويقول: إن الصوفية يفعلون كذا وكذا من المحرمات، بدون ذكر أي دليل أو مصدر موثوق، فكان يجب عليك توثيق هذه المقولة بتعيين صاحبها ومصدرها إن كانت في كتاب أو منشور، أو في شريط مسجل بصوت صاحبه أو في جمع سمعته بنفسك وفيه شهود ثقات يذكر أسماؤهم، فإن الله لا يستحي من الحق.

بعد هذا البيان فالمطلوب منك يا أخي تدارك ما تراه واجباً، مثل نسبة عقيدة أهل التصوف إلى صاحبها الشيخ ابن العربي، كما يجب عليك أن تصحح وتنشر في جريدة الأنباء الكويتية رأي الشيخ ابن العربي في إبليس، علماً بأن ليس كل من قرأ تبريك من مقولة ابن عربي المكذوبة سيقرأ تصويبك، ولكنه على كل حال رجوع إلى الحق، يَجُبّ ُ ما صدر منك، وأنا أشك في أن الجريدة ستنشر تصويباً، كما ترى من صورة رسالتي إلى مجلة العربي الكويتية المرفقة بهذه الرسالة تصويباً لما وقع فيه الدكتور محمد عمارة من خطأ، فلم تنشر المجلة هذا التصويب مع ادعائها الكاذب بأنها ملتزمة بنشر كل تصحيح.

أرجو الله تعالى أن ييسر لك يا أخي من وقتك الثمين فراغاً لقراءة ما عندك من كتبي عن الشيخ الأكبر فتصحح كثيراً من مفاهيمك عن الرجل.
وإلى أن يصلني جواب على رسالتي هذه، لك مني السلام والدعاء بالتوفيق في جميع الأحوال المرضية.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أخوك
محمود محمود الغراب

وقد أجاب الشيخ يوسف بتاريخ 15 صفر 1421هـ - الموافق 19-5-2000
بأننا قد نجتمع صيفاً في الشام لتدارس تلك الملاحظات بروية وحكمة، ولم يقدر الاجتماع لتاريخه 3 - 12 - 2009 ولا أدري إن كان تدارك تلك الملاحظات عند طبعه للكتاب ثانية.