منتـدى طــلاب جامعــة القاهــرة
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتـدى طــلاب جامعــة القاهــرة


 
الرئيسيةالرئيسية  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخولدخول  

 

 لإســــلام والســــلم

اذهب الى الأسفل 
2 مشترك
كاتب الموضوعرسالة
محمد أسامة

محمد أسامة


عدد الرسائل : 39
تاريخ التسجيل : 20/12/2009

لإســــلام والســــلم Empty
مُساهمةموضوع: لإســــلام والســــلم   لإســــلام والســــلم Emptyالإثنين يناير 11, 2010 1:11 am

الإســــلام والســــلم

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد
المبعوث رحمة للعالمين

إلى الـدكتورة / إيفون سـينج
Gerrison Street NW 4429
Washington DC 20016
تموز / 1997

عزيزتي الدكتورة / إيفون سينج
أشكر ثقتك واختيارك لي بتوجيه أسئلتك للإجابة عليها، وأتمنى لك التوفيق في إتمام مشروعك الذي بدأتيه.

من خلال دراستي للشيخ الأكبر محيي الدين ابن العربي ستكون إجابتي على أسئلتك من النظرة الإسلامية الصوفية، حيث أن الشيخ ابن العربي هو أحد كبار أئمة علماء المسلمين الأصوليين، الذي يعتمد في فكره على الكتاب الإلهي القرآن الكريم، والسنة وهي كل ما ثبت عن الرسول صلى الله عليه وسلم، وليس كما يظن الكثير من العلماء أن الشيخ ابن العربي فيلسوف عالمي.
إن من البديهيات ومن أسـس العقيدة في الإسلام، أن هذه الدنيا لها بداية ونهاية، وإن العقل والإيمان يثبتان أن من حين نزول أبينا آدم على هذا الكوكب، قد بدأ العد التنازلي لعمر هذا الكوكب، كأي مخلوق له أجل، وعلى هذا الأساس أبدأ إجابتي على أسئلتك بالترتيب.

السؤال الأول:
يتوقع كثير من الناس حدوث تغيرات عظيمة بحلول الألف الثالثة (عام 2000)، سواء كان ذلك في الذكاء الآلي، اكتشاف حياة على كواكب أخرى، أو أديان جديدة، فهل تعتقد في علمك ووجهة نظر علماء الدين أن الإنسانية وصلت إلى نقطة تحول؟ وما هو تصورك عن الألفية القادمة؟

الجواب على السؤال الأول:
إن من نظرتي في علوم الإسلام، أعتقد أن اكتشاف حياة على كواكب أخرى وأديان جديدة، هو ضرب من الخيال والترف العلمي، الذي ينفق عليه من الأموال ما يكفي لإسعاد الكثير من الشعوب والفقراء الذين يعيشون على كوكبنا هذا، والذي أعتقد أن هذه الجهود المبذولة الآن والتي قد تستمر في الألف الثالثة، جهود فاشلة، ينتج عنها انتفاع بعض الشركات والمؤسسات العلمية بالأموال الطائلة، التي تعود عليها من خلال إجراء بحوث ودراسات واختراع تقنيات، في سبيل تحقيق اكتشاف أمور لا وجود لها أصلاً.

أما عن ظهور أديان جديدة في كواكب أخرى، فهو إن صح - وهو كما سبق أن ذكرت لا وجود له- لا يهمنا بالنسبة لما يجري على كوكبنا الأرضي، حيث نرى الأديان السماوية، خاصة الإسلام والنصرانية، وكثير من العقائد الأخرى الوضعية في العالم، قد أخذت بانتهاء الألف الثانية في التفكك والانحلال، ولم يبق من الأديان السماوية التي تعمل على الحفاظ على هويتها إلا اليهودية، فلا نجد على كوكبنا الآن دولة دينية غير إسرائيل، التي تتمسك وتدعو إلى تطبيق ما تعتقده في التوراة سياسياً ودينياً.

أما عن الذكاء الآلي والتطور السريع الذي تحقق خلال الخمسين سنة الأخيرة من الألف الثانية، وما يعقب ذلك من تطور في الألف الثالثة، فهو ما أسمية بالعلم المدمر للإنسان كمخلوق له معتقداته في الألوهية وله روحانية سامية متميزة عن باقي الحيوان، وسلوك بشري اجتماعي فاضل، وستكون الألف الثالثة - إذا كان هناك حلم بأن تكون - هي المدمرة للحضارة على كوكبنا.

السؤال الثاني:
كوننا بني آدم، فنحن المسؤولون عن جنة الأرض، فهل نجحنا في مسؤوليتنا كحافظين لها؟ وما الذي تعتبره مسؤوليتنا تجاه كوكبنا وتجاه بعضنا البعض؟

الجواب على السؤال الثاني:
أما عن مسؤوليتنا ونحن أبناء آدم في المحافظة على جنة الأرض، فالواقع الذي حصل فعلاً، أن ابن آدم ما وضع يده وتدخل في خلق الله لهذا الكوكب إلا أفسد ما خلقه الخالق بحكمته، وإن كان ما فعله الإنسان من حيث نظره هو إضافة الجمال والزينة على هذا الكوكب، والسعي وراء حياة أفضل، ولكن ثبت أن النتيجة على المدى المنظور، هو الإخلال بالتوازن البيئي الذي خلق الله عليه هذا الكوكب، وهذا مدرك علمياً في جميع المجالات، من طبيعة وصحة وحياة وإحياء . . . إلخ، فقد ثبت علمياً أن ما دمره الإنسان بالتلوث والاعتداء على الطبيعة في عشرات السنين، لا يمكن أن يعوضه أو يعيده في مئات السنين كل ذلك يأتي مصدقاً لما شهدت به الملائكة عند الخالق سبحانه، وكما جاء في القرآن العزيز، بقولها عن آدم وهي تعني به ذريته: . . .أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء. . . الآية {البقرة: الآية 30}، وكل ما قالته الملائكة تحقق ووقع منذ الجيل الثاني في الخليقة، من الشقيقين قابيل وهابيل.

السؤال الثالث:
ما هو دور التقنية والعلم في السنوات القادمة؟ ما هي نقاط الضعف ونقاط القوة؟

الجواب على السؤال الثالث:
أما عن دور التقنية والعلم في السنين المقبلة، فهو من الناحية الإيجابية زيادة الرفاهية والمتعة لفئة قليلة من الناس، وتحسن الصحة العامة، وطول متوسط الأعمار بالنسبة للإنسان - والذي سيصبح مشكلة في غاية الخطورة بالنسبة للشعوب والحكومات - وسرعة الانتقال من أطراف الكرة الأرضية والمواصلات والاتصالات، إلى غير ذلك من النعيم الذي تهواه النفوس، وأما من الناحية السلبية، فهو انتشار أسلحة الدمار الشامل، وانقراض بعض المخلوقات نتيجة التلوث، والخلل في توازن الكرة الأرضية، وفقدان الإنسان لصفاته البشرية في مجتمع فاضل، حيث أنه يصحب الترف التحلل من القيم الأخلاقية، وزيادة انتشار الفساد الاجتماعي في الأسرة والأفراد، عن طريق الجنس والمخدرات والجريمة المنظمة التي تستخدم فيها التقنية والعلم الحديث.

السؤال الرابع:
قال البابا جون بول الثاني أن ديناً جديداً يمكن أن يتشكل: دين الفرد، فهو يعتقد أنه مع تقدم التكنولوجيا فنحن في خطر عبادة قدراتنا على الإبداع، وليس الخالق المبدع، ما الذي تراه؟

الجواب على السؤال الرابع:
أما عن قول البابا جون بول الثاني، فإذا كان يسمي ما ينتجه التقدم التقني عبادة بمعنى العبودية في العقائد، فهذا نظره، ولكن من جهة نظرنا في الإسلام فإن العبادة لا تكون إلا لله وحده، وكما سبق أن أشرت في الجواب على السؤال الأول، أن العبادة للخالق بالنسبة للإسلام والنصرانية في انحلال متسارع، والمتمسك بعقيدته الدينية هم اليهود، أما إذا كان ما يقصده البابا جون من أن الفرد سيكون أسيراً للتقنية فهو صحيح.

السؤال الخامس:
هل تغيرت روح الإنسان؟ هل مكانة القيم الأخلاقية تغيرت مع الأيام؟ ونظرتنا لله؟

الجواب على السؤال الخامس:
بالنسبة لما يلحق الروحانية والقيم والأخلاق من تغيير بمرور الزمن، فهو صحيح واقع، والفرق كبير بين ما يتمناه الإنسان المصلح والعالم المفكر، وبين ما هو واقع وسيقع محققاً بالإخبار الإلهي والنبوي، ولذلك ترى الله تعالى يحذر المؤمنين في القرآن فيقول: ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق ولا يكونوا كالذين أوتوا الكتاب من قبل فطال عليهم الأمد فقست قلوبهم وكثير منهم فاسقون {الحديد: الآية 16}.

فهذا فعل الزمان في القلوب بالقسوة، وهي البعد عن طاعة الله والجرأة على معصيته ومخالفته، ويقول رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم منذ أربعة عشر قرناً: (خير القرون قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم، ثم لا يأتي على الناس زمان إلا والذي يليه شر منه)، فهذا فعل الزمان في الروحانية والقيم الأخلاقية قد وصفه رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم، أنه بعد ثلاثة قرون من بعثته سيتحول أمر الدنيا من شر إلى أشر، لأن الدنيا تقترب من انتهاء أجلها، ولا تكون الساعة إلا على شرار الخلق.

السؤال السادس:
ما الدروس والعبر التي نستفيدها من التاريخ؟ كيف نوفق بين الماضي والمستقبل؟

الجواب على السؤال السادس:
الدروس التي نستفيدها من التاريخ هي العبرة والموعظة بما حصل للأمم السابقة من البشر، فإن الخير والشر مقدران ومسؤول عنهما الإنسان المكلف بالعبادة وبالإصلاح في الأرض، بما منحه الله تعالى من العقل والفكر وبما جعل له من قدرة وخلافة في هذا الكون، ولذلك فالربط بين الماضي والمستقبل، هو أن ننظر فيما فعلته الأمم السابقة من شرور وآثام، وقد جاء ذكر ذلك عندنا في القرآن الكريم عن قوم نوح وقوم إبراهيم وقوم لوط وقوم صالح وقوم هود وقوم شعيب، وعن فرعون وعن النمرود وبني إسرائيل، كل ذلك على فترات متباعدة من الزمان، وذكر لنا الخالق سبحانه ما أوقع بتلك الأمم من عقوبات إلهية أبادت بعضها، وأهلكت الكثير من البعض الآخر، فإذا نظرنا فيما أخبر به الخالق وهو الصدق عن هذه الأمم وآثامها، نجد أن كل ما حصل من هذه الأمم وعوقبت من أجله موجود الآن ومجتمع في وقت واحد في المجتمع الإنساني، وإن إيماننا بحلم الله تعالى وعدم المسارعة منه في إيقاع العقوبة على الإنسان الآن، ليس إهمالاً من الله تعالى ولا عجزاً، ولكنه إمهال مؤجل إلى وقت قريب عنده، وهذا الحلم من الله حجة على عباده عندما تقع منه العقوبة الآتية التي لا مفر منها.

السؤال السابع:
حيث أن العالم يصبح أكثر فأكثر "قرية عالمية"، ماذا نكسب، وماذا يمكن أن نخسر؟ كيف يمكن أن نمنع خسارة ثقافاتنا المختلفة، أو الحفاظ على هويتنا الثقافية؟

الجواب على السؤال السابع:
الواقع فعلاً أن العالم أصبح قرية صغيرة واحدة، فيها سهولة التنقل وسرعة الانتقال وسماع الأخبار والإشاعات والحصول للقادر مادياً فيها على كل ما يحقق رغباته وشهواته من متعة حسية ومعنوية، كل ذلك على حساب القيم والأخلاق الإنسانية والهوية العرقية والثقافية والانتماء الديني، نتج عن ذلك كله انتشار اللادينية المتسارع في هذه القرية، وكل ما أشرنا إليه في الجواب السادس من مخالفات ومعصية للخالق، تؤدي إلى الدما ر الشامل، والتاريخ يثبت أنه مع تباعد القرى وطول المسافات واندثار حضارات في جزء من العالم - مثل الفرعونية والرومانية والفارسية وغيرها - تنشأ أو تبقى حضارات وثقافات في أجزاء أخرى من العالم، أما وقد أصبح العالم الآن قرية واحدة فإن الدمار سيكون شاملا ً، والثابت فعلا ً أن المدنية الحديثة قد طغت على الثقافات المختلفة، فلا نجد مثلا ً أثراً للهوية والثقافة الإسلامية لا في نظام حكم ولا عمارة ولا بنيان ولا عادات ولا تقاليد ولا مسكن ولا ملبس ولا مأكل ولا مشرب ولا معاملات شخصية وجماعية، كل ذلك لم يبق منه إلا النادر، نتيجة للغزو الفكري والحضاري ورغبة الإنسان فيما يسميه بالحياة الأفضل والحرية الشخصية والاجتماعية، فإذا كنا نسير نحو الدمار الشامل لهذا العالم، فما فائدة التفكير في منع اندثار الحضارات المختلفة وهويتها؟؟!.

السؤال الثامن:
بعض القادة مهتمين بتفكك الروابط الأسرية، والقيم الأسرية، ما هو رأيك في تحديد النسل، ودور المرأة؟

الجواب على السؤال الثامن:
إن تحطيم النظام الأسري والقيم في الأسرة، ناتج عن نظم سياسية فرضت على المجتمع نظاماً خاصاً، مثل الشيوعية مثلا ً وما رسمته لنظامها الاجتماعي من علاقة بين الرجل والمرأة، غير معترفة بالدين الإلهي أصلا ً، وكذلك الحرية المطلقة في المجتمعات الغربية النصرانية، والقوانين التي وضعتها الحكومات مما يلغي سلطة وقيادة الرجل في الأسرة، وما وصلت إليه بعض الحكومات مثل الولايات المتحدة من سن قوانين تشل سلطة الأب والأم في تربية الأطفال، وتلغي رقابتهم على تصرفات الأبناء بحجة بلوغ سن معينة، وتشجع حياة الرجل مع المرأة دون ارتباط بشريعة الزواج، وجعل ذلك من الحرية الشخصية، مما أدى إلى عزوف الجنسين عن الارتباط بالزواج والحقوق والواجبات المترتبة عليه، وكذلك امتناع الأزواج عن الإنجاب، والتخلي عن مسؤولية تربية الأطفال، مما أدى إلى الزيادة الهائلة من الأبناء غير الشرعيين، والآثار المدمرة للمجتمع في مثل هذه الحالات، كل ذلك يخالف التعاليم الدينية النصرانية مما أدى إلى انتشار اللادينية، وأصبحت النصرانية رمزاً فقط للدول، لا وجود لها من الناحية الفعلية إلا مراسم ورموز، وكان من آثار سرعة الانتقال والاتصال، أن عمت هذه العادات الشعوب الأخرى، بحجة الحضارة والحياة الأفضل والثورة على كل قديم أصيل.

لذلك نرى أن الدول الرأسمالية الغنية لا تحتاج لنظام تحديد النسل وتنظيم الأسرة، أما في الدول الفقيرة فإن الحكومات تعاني من الانفجار السكاني وزيادة المشاكل الناتجة عن تضاؤل فرص العمل وقلة الإنتاج الزراعي والغذائي، ولذلك فإن الحكومات تعمل على سن القوانين التي تشجع على تحديد النسل أو العقوبة على الزيادة منه، أملا ً في حل مشاكلها.

أما من النظرة الدينية الإسلامية في مجتمع إسلامي خاضع لأوامر الخالق، مطيع له - وهذا فرض لا وجود له الآن - فمثل هذا المجتمع لا يحتاج إلى قوانين لتحديد النسل ولا تنظيم الأسرة، لأن الخالق هو الواهب والمالك للحياة والموت، وهو الرازق لجميع خلقه من نبات وحيوان وإنسان، وهو ضامن كفيل بذلك قادر عليه، يقول الله تعالى في القرآن الكريم: ما يفعل الله بعذابكم إن شكرتم وآمنتم . . . الآية، {النساء: الآية 147}، ويقول: وفي السماء رزقكم وما توعدون ۝ فورب السماء والأرض إنه لحق مثل ما أنكم تنطقون {الذاريات: الآية 22، 23}، ويقول: ولو أنهم أقاموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليهم من ربهم (يعني القرآن) لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم . . . الآية {المائدة: الآية 66}، فما تجده البشرية من معاناة في ضيق الرزق والمعيشة، فهو من العقوبة المعجلة من الخالق على مخالفة أوامره وتعاليمه، ويقول تعالى: ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكاً . . . {طه: الآية 124}.

أما دور المرأة في ذلك كله، فالمرأة في الإسلام جوهرة ثمينة مطلوبة من الرجل لذاتها، من المحال أن يستغني عنها بالفطرة السليمة، فلا يجوز تعريضها للتلف والأخطار، وهي أمانة يسأل عنها وليّها سواء كان أباً أو أقرب الناس إليها - إن لم يكن لها زوج - أوزوج أو ولد - إن تزوجت - مكفول لها كل الحقوق والرعاية الإنسانية التي لا توجد في دين آخر، فإذا خرجت المرأة من حصنها وعرضت نفسها للخطر بممارسة ما يجب على الرجل عمله، فهي مساهمة في تدمير الأسرة أولاً والمجتمع ثانياً، فالمرأة هي الأم والمربية والمدرسة للأجيال، وقيامها بحقوق الزوج ورعاية الأولاد، لا يجعل لها فراغاً لعمل آخر تقوم به، أما وإن المجتمع الإسلامي لا وجود له على الكرة الأرضية الآن، فإن المرأة تعيش حياتها في مجتمعات غريبة عليها، وراضية بما هي عليه ، حتى يصل العالم إلى نهايته المحتومة.

السؤال التاسع:
كيف نكوِّن حياة أخلاقية جيدة؟ مجتمعاً جيداً؟ كيف يمكن أن نعيش حياة أخلاقية جيدة، ونحقق مجتمعاً صالحاً على وجه الأرض؟

الجواب على السؤال التاسع:
أما السؤال عن كيفية تحديد حياة خلقية سليمة، ومجتمع جيد، وكيف نعيش ونتوصل إلى حياة روحية ومجتمع صالح على الأرض؟ فكل ذلك لا يمكن تحقيقه ولا الوصول إليه إلا بدين الإسلام الكامل والمتكامل لا الجزئي، وقد سبق أن أوضحت أنه لا وجود له الآن، كدولة ولا مجتمع على الأرض، ولو أنه لا بد من وجود أفراد في هذا العالم يعيشون على شريعة الإسلام، متحققين بالعبادة لله مهما عم الفساد للكرة الأرضية، يقول رسولنا صلى الله عليه وسلم: (لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خالفهم حتى يأتي الله بأمره) أي حتى نهاية هذا العالم.

السؤال العاشر:
ما هي فلسفتك عن العلاقة بين الفرد والدولة؟ وهل هذا يتغير؟

الجواب على السؤال العاشر:
إن الشريعة الإسلامية تلزم الفرد عند قيام حكومة إسلامية بالسمع والطاعة للحاكم، على افتراض أن هذا الحاكم يحكم بشريعة الله تعالى، فإن للحاكم حقوقاً وعليه واجبات، وإن للفرد حقوقاً وعليه واجبات، حددها الخالق لكل واحد منهما، حتى يتحقق العدل والحياة الآمنة لجميع الناس، في ظل الدولة الإسلامية التي يتولى الحكم فيها شخص منتخب من أهل الحل والعقد، لا من عامة الناس (صالحهم وطالحهم) كما هو الحال في النظام الديموقراطي الآن.

ولكن كما سبق أن أوضحت أنه لا توجد حكومة إسلامية في أي مكان في العالم الآن، فإن الحكومات الحالية بمرور الزمن قد غيرت القواعد الأساسة والإلهية لنظام الحكم، ويعمل كل حاكم على نظام يكفل له الاستمرار في الحكم بأي طريقة كانت، إما بالوراثة الملكية، أو استخدام القوة العسكرية والاستيلاء على الحكم، أو تزوير الاتنخابات مدعياً النظام الديمقراطي، كل ذلك تغيرٌ حصل في نظام الحكم الإسلامي الصحيح بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم بأقل من خمسين سنة، واستمرت سيادة الدولة الإسلامية بحكم الدفعة الأولى والروحانية والإيمان الصادق للمسلمين، مع الخلل الذي حدث في نظام الحكم، إلى ما يقرب من قرن، من ضعف ونهاية الخلافة العثمانية في استنبول.

إن التغير الحاصل في نظام الحكم الإسلامي يؤدي إلى الفتن ووجود جماعات معارضة لنظام الحكم، قد تأخذ أحياناً طابع العنف، ولما أصبح العالم قرية صغيرة، وأعداء الإسلام - كدين ونظام - لهم الآن كل القوة واليد الطولى في تعيين أو مساندة الحكام الذين يحققون مصالحهم في المنطقة الإسلامية، فقد لا تخلو الأحداث والاضطرابات التي تحدث في أرجاء العالم الإسلامي من تدبير وأصابع أعداء الإسلام في المشرق والمغرب.

السؤال الحادي عشر:
في فلسفتك، ما هي الأسئلة الأكثر أهمية؟ ما الذي يجب عمله للوصول إلى أجوبة لهذه الأسئلة؟

الجواب على السؤال الحادي عشر:
هناك سؤال واحد، مطلوب الإجابة عليه وهو: إلى أين يسير هذا العالم بتركيبته الحالية؟
والجواب عليه سهل وهو: انظر في الأخبار الإلهية والنبوية تجد الجواب عليه.

السؤال الثاني عشر:
كيف يبدو السلام؟

الجواب على السؤال الثاني عشر:
السـلام:
منذ أكثر من ستة آلاف سنة، مرّ موسى عليه السلام على الخضر، فقال له موسى عليه السلام: السلام عليك، فأجابه الخضر متعجباً: وأنـّى (أي وكيف يكون) على أرضك السلام.
هذا جواب العبد الصالح على كليم الله تعالى موسى، وكأنه يشير إليه أن ينظر إلى أول حادث من الجيل الثاني بين شقيقين من أب وأم واحدة، على هذه الأرض الرحبة، وهما قابيل وهابيل، وحيث استمر الفساد في الأرض منذ ذلك الحين، وهذا أمر واقع محقق يثبته التاريخ.

أما عن السلام في وقتنا الحالي، فإني أشبهه بشخص نائم على فوهة بركان ثائر قابل للانفجار في أي لحظة، أو شخص يعيش في بيت متصدع تحته مركز زلزال درجته تسعة على مقياس رختر ولا يعلم متى يضربه، أو ريشة تعترض إعصاراً هائلاً قادماً من الأعماق.

عزيزتي الدكتورة / إيفون:
لا تقولي عني إنني متشائم، بل أنا مؤمن مصدق بكل ما جاء من عند الله ومن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم من أخبار، وهذا هو العلم لا الحلم (أي المنام).

السؤال الثالث عشر:
هل لديك رسالة توجهها للشباب، وأجيال المستقبل، والذي الكثير منهم يرى العالم الآن في فوضى لا أمل يرتجى فيه؟

الجواب على السؤال الثالث عشر:
رسالتي إلى الشباب والأجيال المقبلة هي: إن هذا العالم الذي ترونه فوضى وميؤوس منه، أنتم تصنعوه بأيديكم وسلوككم، فإذا لم تستطع تغييره، فعليك بالعمل الصالح والخلق القويم، إذا كنت تؤمن بأن الخير ستثاب عليه، وأن الشر ستعاقب عليه، في يوم الحساب الذي هو قريب، ولا تنظر إلى من حولك وتعمل عملهم فتكون إمّعة.
إنك ستعاني وتعيش غريباً، ولكنك ستعيش في أعماق نفسك حياة روحانية كإنسان لا كحيوان في غابة.

السؤال الرابع عشر:
هل هناك رسالة تحب أن توصلها للقادة الدينيين والروحانيين الآخرين في العالم؟

الجواب على السؤال الرابع عشر:
أما رسالتي إلى قادة العالم الدينيين والروحانيين، فهي:
أن يدعوا أتباعهم إلى البحث عن الدين الحق وهو واحد في العالم، يقبله العقل السليم، وهو الذي يحقق السلام على هذا الكوكب، فإذا وجدوه فعليهم التمسك به واتباعه، وأن يكون هؤلاء القادة أول الباحثين عنه، فإن الأنفاس نفائس، والنـَفـَس الذي يذهب لن يعود، والحياة وإن طالت فهي قصيرة، وكل متعة في الدنيا وسـلطة زائلة، وكلنا على الآخرة مقبلون، إما إلى جنة، وإما إلى النار، وليس هناك دار ثالثة.

السؤال الخامس عشر:
إنشاء الله، كيف تخطط للاحتفال بالألفية؟

الجواب على السؤال الخامس عشر:
أما تمنياتي الطيبة، وكيف نحتفل بقدوم الألف الثالثة، فهي أماني وأحلام، وهي كمن يحتفل بعيد ميلاده التسعين فرحاً، وهو لا يعلم أن كل احتفال بعيد ميلاد قـَدَّمَه إنما هو اقتطاع سنة من حياته، فهو يحتفل في الحقيقة بانتهاء أجله وهو لا يدري.
فتمنياتي للألف الثالثة، هي شفقة ورحمة، وأسأل الله تعالى للمؤمنين العون والصبر.

عزيزتي الدكتورة / إيفون:

من تمام الإجابة على هذه الأسئلة هو الصدق والأمانة في تبليغ ما نعلم، وأن لا نكتم شيئاً منه، وكما سبق في مقدمة رسالتي هذه، أن العقل والإيمان يثبتان أن لهذا العالم أجلا ً، له بداية ونهاية، وقد جاء في كتابنا القرآن العزيز، وفي أحاديث رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم ما يشير إلى نهاية هذا العالم بعلامات صغرى وعلامات كبرى، فمن العلامات الصغرى العقلية، نزول آدم عليه السلام على هذا الكوكب حيث ابتدأ العد التنازلي لعمر هذا العالم، وقد ظهرت لنا جميع العلامات الصغرى التي أخبر عنها النبي صلى الله عليه وسلم، وبدأت العلامات الكبرى تدل على اقتراب نهاية العالم، ومن هذه العلامات قيام دولة إسرائيل عام 1948، حيث يقول لنا النبي محمد صلى الله عليه وسلم منذ أكثر من ألف وثلاثمائة وتسعين عاماً، حيث لم يكن لليهود أي مجتمع ولا دولة على وجه الأرض.
يقول لنا: (لا تقوم الساعة { أي نهاية العالم } حتى تقاتلوا اليهود أو يقاتلونكم، فلا يبقى حجر ولا شجر إلا ويقول: يا مسلم { وفي رواية يا عبد الله } خلفي يهودي تعال فاقتله، إلا شجر الغرقد فإنه من شجر اليهود).

فهذا قول النبي صلى الله عليه وسلم بأن اليهود ستكون لهم دولة في آخر الزمان، والتي يقضي عليها المسلمون لا العرب، فإن المسلم ليس من شرطه أن يكون عربياً.

ومن العلامات الكبرى أن يكون بيت المقدس بيد اليهود، كما جاء ذكر ذلك في القرآن الكريم في سورة الإسراء في الآية رقم (7)، وجاء في هذه السورة أن الله سيجمع اليهود من أنحاء العالم حول بيت المقدس، ومعلوم أن المسلمين قد أخذوا بيت المقدس من النصارى مرتين، واحدة في عهد عمر ابن الخطاب، والثانية في زمان صلاح الدين الأيوبي، وليس من يد اليهود، وسورة الإسراء في القرآن تنص على أن بيت المقدس سيأخذه المسلمون من يد اليهود، فلو فرضنا أن أي سلام سيتم الآن ويعود بيت المقدس إلى العرب، فلا بد من نقض هذا السلام وعودة بيت المقدس إلى اليهود، حتى يأخذه المسلمون حرباً.

أما كيف سيتكلم الحجر والشجر فإن هذا لا يكون إلا بعد الحرب النووية التي يشير إليها القرآن العزيز بقوله تعالى في {سورة يونس، الآية 24}،  . . . حتى إذا أخذت الأرض زخرفها وازيـّنت وظنَّ أهلها أنهم قادرون عليها أتاها أمرنا ليلاً أو نهاراً فجعلناها حصيداً كأن لم تغن بالأمس . . .، وهذا ما نعيشه الآن، فإن الأرض في أحسن زخرف وزينة لم يـُثبـِت مثلها تاريخ، وأهلها يظنون أنهم قادرون عليها، فبدؤوا بغزو الفضاء وبقدرتهم على تدميرها بقنابلهم النووية، ومعلوم أن الصواريخ العابرة للقارات في الشرق والغرب على السواء، وأنها ستصل في وقت واحد إلى أهدافها، نصفها ليلاً ونصفها الآخر نهاراً تحقيقاً وتصديقاً لما جاء في القرآن العزيز، وشجر الغرقد وهو شجر السياج يزرعه اليهود الآن بكثرة في إسرائيل.
وهذا يعني أن إسرائيل باقية ومن حولها من المسلمين إلى ما بعد الحرب النووية، حيث سيكون القتال بالسلاح الأبيض، فيصدق قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (يا مسلم خلفي يهودي تعال فاقتله).

أما متى تكون الحرب النووية التي أشار إليها القرآن الكريم، فهذا علمه عند ربي، قد تكون غداً، وقد تكون بعد الألف الثالثة، ولكن العقل السليم ينظر فيما يصدر من هذا الإنسان الذي استخلفه الله على جنة الأرض، وفي مخالفاته وعصيانه لله تعالى، مما يستنزل سخطه على العباد، فيجد ذلك حاصلاً وواقعاً فعلاً، وينظر في الأسباب الكونية، وأهمها البترول الذي هو عماد الحياة والحضارة الحالية، وأن له عمراً يمكن حساب المخزون منه في العالم وتقدير مدة انتهائه، ولا يمكن أن يكون حسب الإحصاءات الحالية أن يتجاوز المائة الأولى من الألف الثالثة، وهذا يعني أن هناك خطاً أحمر قبل أن ينتهي المخزون من البترول حسب الاستهلاك الحالي، وأن قبل بلوغ هذا الخط سيبدا النزاع والصراع بين الأصدقاء قبل الأعداء، على وضع اليد على سر الحياة، فلا بدّ من وقوع المحذور، هذا إذا استبعدنا الأحداث الكونية والإلهية الصادرة من الخالق القادر، من إنزال عقوبته على عباده المتمردين في أي وقت شاء قبل وصول البترول إلى الخط الأحمر.

فهل سيبلغ الألف الثالث من العمر مائة عام أو مائتي عام فيموت طفلاً، أم سيتجاوز ذلك، الله وحده هوالذي يعلم.

مع أطيب تحياتي

محمود محمود الغراب

= = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = =


بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد
المبعوث رحمة للعالمين

دمشق في 23/3/1998م، الموافق 25 شوال 1418هــ.
عزيزتي / مينا شريفي فنك
عزيزتي / صفاء علي الأحمد
السـلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

وصلتني رسالتك غير المؤرخة عن مشاركتك في الدراسة في القسم الخاص بكرسي محمد سعيد فارسي في الجامعة الأمريكية بواشنطن دي.سي. والخاص بالإسلام والسلم، وما قدمه الإسلام في خدمة السلم العالمي، والتعاون بين المجتمعات البشرية، والمقصود من دراستك الوقوف على أمثلة للسلم في الإسلام.

أنا لا أعلم كيف حصلت على عنواني، ويشرفني اختيارك لي كواحد ممن توجهين إليه أسئلتك عن هذا الموضوع الحساس في هذا الزمان، الذي اختلطت فيه الأمور اختلاطاً فكرياً، ضاعت فيه معالم الطريق القويم، نتيجة فلسفات وأفكار غريبة، في المنطق والواقع والطبيعة البشرية بحكم تكوينها الخـَلـْقي والخـُلـُقي.

لعل أجوبتي على أسئلتك لا تكون محبطة لك، وعلى عكس ما كنت تتوقعين، ولكن ديني وهو الإسلام وأمانة العلم يفرضان عليّ الأمانة في التبليغ، وأن لا أكتم شيئاً من العلم الذي أقدمه إليك مع أدلته.

وأبدأ بالإجابة على أسئلتك بالترتيب ثم التعقيب على موضوع الكرسي الخاص بمحمد سعيد فارسي.

السؤال الأول:
كيف يمكن تعريف السياسة من خلال منظور صوفي؟

الجواب على السؤال الأول:
إذا كنت تقصدين بكلمة السياسة Politica، يعني السياسة الخاصة بالحكم، والتعامل بين الحاكم والمحكوم، وبين الدولة الإسلامية وغيرها من الدول غير الإسلامية - أظن أن هذا هو المقصود من سؤالك غير الواضح - فالجواب عليه: أن المنظور الصوفي لا يختلف عن أي منظور إسلامي، ولا يوجد في هذه الحال منظور سلفي ومنظور صوفي، بل هو منظور واحد وهو الإسلام، وهذا يعني تطبيق الشريعة الإسلامية تطبيقاً كاملاً، من بيعة الحاكم على حسب الأصول الشرعية - والبيعة في الإسلام هي من أهل الحل والعقد، وليست هي النظام الانتخابي المعروف الآن بأشكاله المختلفة - ومن قيام الحاكم بواجباته من العدل في الرعية، وتطبيق أحكام الشريعة على نفسه وعلى رعيته، كما أنزلت من عند الله تعالى، وكما بيـّنها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وله في ذلك الأجر التام من الله تعالى، لحمله هذه الأمانة الثقيلة، والقيام بها على أتم وجه، وعليه الوزر والعقاب من الله تعالى إذا فرط وجار على الرعية بظلم أو انتهاك حقوق، كما أن له على الرعية السمع والطاعة، في المنشط والمكره، فإن عدل فله ولهم، وإن جار فلهم الأجر وعليه الوزر، بدأ رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح عن السبعة الذين يظلهم الله تعالى تحت ظله، يوم لا ظل إلا ظله، بالإمام العادل.

أما عن السياسة بين الدولة الإسلامية (والمفروض أن تكون دولة واحدة في العالم لا عدة دول ودويلات) وبين غيرها من الدول غير الإسلامية، فهو ما سيرد ذكره في الجواب على السؤال السابع.

وأما إذا كنت تقصدين بالسياسة من خلال منظور صوفي، سياسة النفس وتربيتها، وهذا - بلا شك - ليس المقصود من سؤالك، فالجواب عليه هو بالنظر الصوفي سياسة النفس لتعتاد الطاعة لله تعالى فيما أمر ونهى، والتزام العبودية لله تعالى في أسمى معانيها، وذلك باجتناب المعاصي والرذيلة وسفاسف الأخلاق، وبالخروج عن رعونتها، وللصوفية طرق مختلفة في هذه السياسة، تسمى السلوك، ولكن لا أظن أن هذا يهمك أو يهم الكرسي الذي تعملين من أجله.

السؤال الثاني:
كيف يمكن تعريف التوجه التقليدي الإسلامي للمسلم؟

الجواب على السؤال الثاني:
التوجه التقليدي الإسلامي للمسلم راجع للسان العربي والنص الديني، فالإسلام والسلم يرجعان في أصل اللغة إلى كلمة (سلم) ومنها الإسلام والسلم والسلام والاستسلام بما في ذلك من معاني الانقياد والصلح والبراءة من العيوب.
قال الله تعالى:  يا أيها الذين آمنوا ادخلو في السلم كافة ولا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبين (البقرة: آية 208) - السِلم هنا بكسر السين أي ادخلوا في الإسلام وشرائعه كلها.
ويقول تعالى:  وإن جنحوا للسَلم فاجنح لها وتوكل على الله إنه هو السميع العليم (الأنفال: آية 61) - وهنا السَلم بالفتح بمعنى السِلم بالكسر، وهو الصلح والجنوح إلى الصلح هنا يكون من جانب الكفار بعد ظهور المسلمين عليهم، ولذلك نهى الله تعالى المسلمين بقوله:  فلا تهنوا وتدعوا إلى السَلم وأنتم الأعلون والله معكم ولن يتركم أعمالكم (محمد: آية 35) - "فلا تهنوا" أي لا تضعفوا عن مقاتلة الكفار "وتدعو إلى السَلم" بفتح السين، يعني الصلح والموادعة، لأنهم الأعلون، فإن العزة لله ولرسوله وللمؤمنين.

أما عن الإسلام، فإن الله تعالى يقول:
إن الدين عند الله الإسلام . . . الآية (آل عمران: آية (19 – الدين هو الطاعة والانقياد، والإسلام هو الإقرار بالتوحيد مع التصديق والعمل بشريعته تعالى.

ويقول تعالى: ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين) آل عمران: آية - 85)، الإسلام هنا هو التوحيد، وشريعة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم.

ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: (بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً عبده ورسوله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت من استطاع إليه سبيلاً)، وهذه هي أركان الدين الإسلامي، وفي حديث جبريل عليه السلام وسؤاله النبي صلى الله عليه وسلم عن الإسلام، أجابه صلى الله عليه وسلم: (أن تعبد الله ولا تشرك به شيئاً، وتقيم الصلاة المكتوبة، وتؤتي الزكاة المفروضة، وتصوم رمضان).

هذا هو التعريف التقليدي للإسلام والسلم، وأما عن العلاقة بين الإسلام والسلم مع غير المسلمين، وقد أتت الإشارة إليه في هذا الجواب، فسيأتي مفصلاً عند الجواب على السؤال السابع.

السؤال الثالث:
ما هو الإصلاح؟ كيف يمكن إدخال الإصلاح في المجتمع الإسلامي؟ وكيف للصلح أن يؤثر على السلم؟

الجواب على السؤال الثالث:
الصلاح ضد الفساد، والإصلاح ضد الإفساد.
أما سؤالك عن كيفية إدخال الإصلاح في المجتمع الإسلامي؟ فهذا يتوقف على مدى علمك، فإن كان المجتمع الإسلامي في الأصل فاسداً، فإصلاحه هو العمل على إزالة هذا الفساد، الذي عليه المجتمع الإسلامي منذ البداية، وهذا لا يقول به مسلم، ويرفضه أي دارس للتاريخ الإسلامي، وإن كان القصد هو أن المجتمع الإسلامي كان صالحاً ثم فسد، فإصلاح هذا المجتمع بالعودة إلى ما كان عليه من الصلاح، والواقع الذي حدث فعلاً وما يثبته التاريخ أن المجتمع الإسلامي انحرف عن تطبيق الشريعة بمرور الزمان ابتداءً من استلام السلطة والإمامة، إلى التفريط في تطبيق أحكام الشرع على مستوى الدولة والأفراد في الحياة العامة والخاصة، عبر القرون الماضية، حتى وصل الفساد المتراكم إلى ما نحن عليه اليوم، وقد أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك مسبقاً، فقال: (خيركم قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، ثم يكون بعدهم قوم يخونون ولا يؤتمنون)، أخرجه البخاري ومسلم، وقال: (لا يأتي عليكم عام ولا يوم إلا والذي يليه شر منه حتى تلقوا ربكم)، أخرجه البخاري، فهذا هو إخبار من لا ينطق عن هوى ولا يتكلم إلا بوحي من الله تعالى، وهو الواقع فعلاً، وما سيقع حتماً.

أما الجزء الثالث من السؤال، وهو: (كيف يمكن للصلح أن يؤثر على السلم)، ويبدو أنك تقصدين بكلمة السلم السلام العالمي، والجواب عليه: أن السلام العالمي يتحقق عندما يسود الإسلام العالم كله، فيكون الناس أمة واحدة مسلمة، تطبق الشريعة الإسلامية على الكمال والتمام، أو تكون الدولة الإسلامية لها السيادة على العالم كله من مشارق الأرض إلى مغاربها، وكل هذا فرض لم ولا ولن يكون، يقول الله تعالى في كتابه العزيز: . . . ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة . . . (المائدة: آية - 48)، ويقول: ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة ولكن يضل من يشاء ويهدي من يشاء ولتسئلن عما كنتم تعملون (النحل: آية - 93) ويقول: ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين ۝ إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم وتمت كلمة ربك لأملأن جهنم من الجـِنـَّة والناس أجمعين (هود: آية - 118، 119)، ويقول: وكذلك أوحينا إليك قرآناً عربياً لتنذر أم القرى ومن حولها وتنذر يوم الجمع لا ريب فيه فريق في الجنة وفريق في السعير ۝ ولو شاء الله لجعلهم أمة واحدة ولكن يدخل من يشاء في رحمته والظالمون ما لهم من ولي ولا نصير (الشورى: آية 7، Cool.

هذه نصوص من الله تعالى خالق الكون وخالق البشر، تجمع على أن الله تعالى لم يشأ أن يجعل الناس أمة واحدة، بل خلقهم مختلفين، منهم الضال ومنهم المهتدي، والكل فريقان، فريق في الجنة وفريق في السعير، وهذه هي الحكمة الإلهية، فإن العلم والمعرفة لا يتحققان إلا بوجود الأضداد، وهي السنن الكونية، المستندة إلى الحقائق الإلهية، فإن الله تعالى في أسمائه الأضداد، في أسمائه الرحمن الرحيم، المنتقم الجبار، المعطي المانع، النافع الضار، المعز المذل، إلى غير ذلك من الأسماء الإلهية، ولولا ذلك ما وجد في الكون الضد، من إيمان وكفر، وليل ونهار، وحر وبرد، وسلم وحرب، وجنة ونار، وصحة ومرض، وسعادة وشقاء، وخير وشر، إلى غير ذلك من الأضداد ولا عرف لأي شيء معنى، فإن بضدها تتميز الأشياء.

فكيف يتصور أن يكون هناك سلام عالمي بين أديان مختلفة، وأعراق مختلفة، وألوان مختلفة من البشر، مع اختلاف الأغراض؟! ولم يتحقق ذلك عبر التاريخ من أول خلق البشرية منذ خلق آدم عليه السلام إلى اليوم، فقد قتل قابيل أخاه هابيل، وهو من أمه وأبيه، وضرب الله تعالى لنا مثلاً عن نوازع الشر في الإنسان، بكيد أخوة يوسف له، وهم إخوة لأب واحد، فقص علينا من أمرهم ومن أخبار الأمم السابقة، كل هذه أمثلة ينبهنا الله تعالى بها على حكمته في الخلق، وما تنطوي عليه النفس البشرية من خير وشر، وأما في وقتنا الحاضر، فواقع لا يمكن لأحد أن ينكره أو يتعامى عنه، فمثلاً القتال والصراع المستمر بين الكاثوليك والبروتستانت في إيرلندا، وهما من دين واحد وهو النصرانية ومن عرق واحد، وما يجري الآن في البلقان بين كاثوليك وأرثوذكس ومسلمين، والقتال مستمر بين السنة والشيعة في أفغانستان وهم مسلمون، والقتال في الجزائر بين السنة بعضهم البعض، والإبادة الجماعية في دول إفريقية، وهم من عرق واحد، وكذلك في كمبوديا وسيلان، وكيف يتصور عاقل أن يكون هناك سلام بين الفلسطينين واليهود الذين جاءوا من أقطار الأرض فطردوا أهل البلاد من ديارهم وأخذوا أموالهم، بمباركة ودعم من دول العالم المتحضر؟! إلى غير ذلك من أماكن أخرى في العالم.

كل ذلك يؤكد لنا ويزيدنا إيماناً ويقيناً بالإخبار الإلهي، وأما الحلم بجعل العالم - وقد أصبح قرية واحدة - مدينة فاضلة، يعمها السلم والسلام، فأمنية تخالف السنن الطبيعية والحكمة الإلهية، وهي دعوة لأن نتخلى نحن المسلمين عن ديننا وعقيدتنا التي من أساسها قيام الساعة، أي انتهاء الدنيا، كما جاء في القرآن الكريم، وبيـّن ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: (لا تقوم الساعة إلا على شرار الناس) أخرجه مسلم، فيأبى المفكرون المصلحون إلا أن يحولوا الناس إلى أخيار حتى يعم السلم والسلام العالم.

السؤال الرابع:
ما هو التجديد؟ وما هو الدور الذي يمكن أن يأخذه التجديد في المجتمع الإسلامي الحاضر؟

الجواب على السؤال الرابع:
إذا كنت تقصدين بالتجديد في المجتمع الإسلامي الحاضر استخدام العلوم التطبيقية والتكنولوجيا المعاصرة، مثل: ركوب الطائرة والسيارة واستخدام الكمبيوتر والكهرباء والذرة وإجراء العمليات الجراحية والفن المعماري والهندسي إلى غير ذلك من أمور حضارية وعلمية كونية، فلا شك في أن المجتمع الإسلامي متخلف كثيراً في هذا المضمار، ويجب عليه اللحوق بالعالم المتحضر في هذه العلوم التي هي من مستلزمات الحياة المعاصرة من علوم تطبيقية تؤثر في الحياة الاجتماعية.

أما إذا كنت تقصدين بالتجديد التجديد في العقيدة الإسلامية، وفي الأحكام الشرعية، من عبادات ومعاملات وحدود وأحكام وأحوال شخصية، فالتجديد هنا يعني تفريغ الإسلام من مضمونه، وإخراج المسلمين من دينهم تحت ستار التجديد والحداثة، مستخدمين في ذلك شعارات، مثل: حقوق الإنسان، وتحرير المرأة، والحرية الشخصية، والمساواة بين الرجل والمرأة، إلى غير ذلك من شعارات تهدف إلى إلغاء أحكام الشريعة الإسلامية، وعلمانية المجتمع الإسلامي، كل ذلك مرفوض من مجتمع إسلامي - لا يوجد في أي مكان في العالم - متمسك بدينه، وأما الواقع فهو أن ما يسمى الآن بالمجتمع الإسلامي، إنما هو مجتمع اسمي فقط، لا علاقة له بالإسلام الحقيقي كما أنزل من عند الله تعالى، وبيـّنه رسول الله صلى الله عليه وسلم.

السؤال الخامس:
ما هو التصوف؟

الجواب على السؤال الخامس:
التصوف خلق، فأكثركم خلقاً أكثركم تصوفاً، قال الله تعالى مادحاً نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم: وإنك لعلى خلق عظيم (القلم: آية - 4)، وقال صلى الله عليه وسلم: ﴿إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق﴾، أخرجه البيهقي والحاكم والبخاري في الأدب الصغير - فما مدح أحد بأفضل من حسن الخلق، ولما كان الإسلام ذا شقين، ظاهر وباطن، أي معاملات وعبادات ظاهرة، يتعلق بها الحكم على الإنسان بأنه مسلم، ويرفع عنه سيف الشريعة، سمي الشق الظاهر بالشريعة، وقد بيَّن جميع أحكامها أئمة الفقه الإسلامي، فيما دونوه من مذاهب مختلفة، ينسب كل مذهب إلى فقيه مجتهد معروف باسمه.

وأما الشق الباطن من الشريعة الإسلامية، مثل الخوف والرجاء والحب في الله، والبغض في الله، والخشوع والإنابة، واليقين والصدق، والورع والزهد، والرضى والصبر، إلى غير ذلك من أحوال باطنة من أعمال القلوب، فإنها ليست من أعمال الجوارح، ولا يوجد مما يتعلق بهذه الأحكام شيء في كتب الفقه، لأنها من أعمال القلوب التي لا يطلع عليها إلا الله تعالى، وهي من السرائر التي يعتمد عليها القبول من الله تعالى يوم القيامة، فكما لا يقبل عمل ظاهر في الآخرة إلا بعد صحة النية وقيام شاهد له أو عليه في الباطن، ولا تكون سعادة في الآخرة إلا بعد تحقيق سلامة الباطن، لا تكون سلامة في الدنيا من سيف الشرع إلا بعد تحقيق أعمال الظاهر، فسمي الشق الباطن من الإسلام بالحقيقة أو التصوف، ومع ذلك فكل تمام من أعمال الظاهر مع نقص في أعمال الباطن فهو إسلام ناقص، وكل تمام من أعمال الباطن مع ترك بعض أعمال الظاهر فهو إسلام من عاص، وكل تمام من أعمال الباطن مع ترك أركان الإسلام فهو مرفوض من صاحبه، وليس من الإسلام في شيء، ولذلك قيل: "من تشرع ولم يتحقق فقد تفسق، ومن تحقق ولم يتشرع فقد تزندق"، وقد بيَّن ما يتعلق بالشق الباطن أئمة من أئمة التصوف، نسبت إليهم طرق السلوك المعروفة بأسمائهم، وذلك لطهارة الباطن من أمراض النفوس، المؤثرة في سلامة أعمال الظاهر، ولهم في ذلك مؤلفات كثيرة معروفة.

السؤال السادس:
ما هي التقوى؟ كيف للإنسان أن يتخطى مرحلة الخوف إلى مرحلة التقوى؟

الجواب على السؤال السادس:
التقوى في اللسان العربي من وقى الشيء أي صانه، واتقى الشيء أي حذره، ولذلك قال تعالى: فاتقوا النار التي وقودها الناس والحجارة أي فاحذروا النار، وقال تعالى: واتقوا يوماً أي احذروا يوماً، وما أكثر ما يكرر الله تعالى في كتابه العزيز: واتقوا الله وأمثال ذلك، أي احذروا الله وما يكون منه، من غضب وسخط وعذاب، أما الوقاية بمعنى الصيانة فمثل قوله تعالى: فوقاهم الله شر ذلك اليوم، وقوله تعالى: ووقاهم عذاب الجحيم أي صانهم من شر ذلك اليوم ومن عذاب الجحيم، فالتقوى من الله - عامة - هي الحذر من عذاب الله وما يكون منه، وأما التقوى لأهل الحضور ومقام الإحسان، فهي التقوى من الله بالله، أي من أسماء إلهية بأسماء إلهية، فيتقي العبد آثار أسماء إلهية بأسماء إلهية، فيتقي الاسم الجبار بالاسم الرحمن مثلاً، وذلك مثل قوله صلى الله عليه وسلم: (وأعوذ بك منك)، والتقوى بالله هي الاستعانة في التقوى بالله تعالى وهو التبري من الحول والقوة، فإنه لا حول ولا قوة إلا بالله، ومن تقوى الله من حيث المعنى صيانة الله تعالى، فيجعل العبد نفسه وقاية لله من نسبة السوء إليه تعالى، وهو من أدب اللفظ، مثل قول الخضر عليه السلام عندما خرق السفينة: فأردت أن أعيبها فنسب العيب إلى نفسه، ولم يقل: (فأراد الله أن يعيبها)، مع أنه لم يخرق السفينة إلا عن أمر الله تعالى، فقال: وما فعلته عن أمري فينسب العبد كل فعل سوء ومعصية إلى نفسه أدباً مع الله تعالى مع كونها من القدر الإلهي السابق.

أما كيف للإنسان أن يتخطى مرحلة الخوف إلى مرحلة التقوى؟
فالجواب: الخوف إما من، أو على، فالخوف من الله ومن عذاب الله، والخوف على الدين وعلى الإيمان، ومن خاف من شيء اجتنبه وحذره، ومن خاف على شيء صانه وحافظ عليه، فالخوف باعث على التقوى، ولولا ما خاف الإنسان ما اتقى، فالخوف مرتبط بالتقوى، قال صلى الله عليه وسلم: (من خاف أدلج، ومن أدلج بلغ المنزل)، وأدلج أي سار من أول الليل، وهو كناية عن أن من خاف الله تعالى وخاف عذابه، أسرع في التقوى والسير إلى الله تعالى، ولا يكون ذلك إلا بالعلم الشرعي، فيعلم الحرام فيجتنبه، ويعلم الحلال فيأتيه، فلا يراه الله تعالى حيث نهاه، ولا يفقده حيث أمره، فيجتنب العبد مواطن الشبهات فضلاً عن المحرمات، ويأتي الفرائض كما أمر الله تعالى، ويتحقق بشعب الإيمان، وهي بضع وسبعون شعبة، ويساعده على ذلك صحبة أهل العلم والتقوى، فالصاحب ساحب، وقد قال تعالى:  . . . وتعاونوا على البر والتقوى، ولا تعاونوا على الإثم والعدوان . . . الآية (المائدة: آية 2)، والمساعد على تخط الخوف هو صدق الإيمان وذكر الله تعالى، حيث يقول: الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب (الرعد: آية 28)، وذكر الله تعالى درجات، أعلاها ذكر الله تعالى مع الأنفاس، فيكون العبد من أهل مقام الإحسان، والإحسان أن يعبد العبد الله كأنه يراه، فلا يغفل عن الله تعالى طرفة عين، موقناً بأن الله تعالى يراه حيث كان، قال تعالى: ألم يعلم بأن الله يرى (العلق: آية 14)، وقال تعالى لموسى عليه السلام وأخيه هارون مطمئناً لهما: قال لا تخافا إنني معكما أسمع وأرى (طه: آية 46)، فأزال خوفهما، فمن أيقن أن الله تعالى معه ويراه، واتقى الله وواظب على ذكره، اطمأن قلبه وزال خوفه.

السؤال السابع:
ما هو المفهوم الإسلامي للسلم؟

الجواب على السؤال السابع:
هذا هو السؤال الرئيس والذي يتعلق بدراسة كرسي محمد سعيد الفارسي، وللجواب عليه من المنظور الصوفي، يجب أن تعلمي أن هذا المنظور يؤمن ويقدم كل إخبار إلهي في القرآن الكريم، وكل إخبار نبوي في حديث لرسول الله صلى الله عليه وسلم، على كل نظر فكري، لأنه يتعلق بالإيمان، وليس الصوفي مستعداً للتخلي عن إيمانه ويقينه بما سيحدث فعلاً وتحقيقاً، لأجل نظريات افتراضية وفلسفات تعارض هذه الأخبار الإلهية والنبوية.
إن الله تعالى خالق هذا الكون ومستخلف الإنسان فيه قد تسمى بالسلام وتسمى بالملك، فطلب الملك من البشر الذين أنعم عليهم بخلقهم وإخراجهم من العدم إلى الوجود، وخلق لهم ما في الأرض جميعاً منه، أن يُسـْلموا له فيـَسـْلـَموا، وذلك بأن يعترفوا له بتوحيد الألوهية، وأنه واحد لا شريك له، وأن يطيعوه فيما شرع لهم في الحياة الدنيا، ليعم السلام العالم، لأنه هو ربهم الذي خلقهم على علم منه، وهو أعلم بالمصالح التي يعمر بها هذا الكون، وأخذ عليهم العهد والميثاق بذلك، كذا أخبرنا بقوله تعالى: وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى شهدنا . . . الآية (الأعراف: آية172)، فلما تمكن الإنسان وظن أنه المالك الحقيقي للكون، أبى أكثر الناس الدخول في هذا السلم، ونكثوا العهد والميثاق، وأخذوا يسعون في إفساد ملك الله تعالى، فسماهم الله تعالى (الكافرين) واستجاب لدعوة الله تعالى فئة قليلة من الناس، وأسلموا له تعالى فسماهم (المؤمنين والمسلمين).
وانقسم الكافرون إلى قسمين: قسم سماه الله تعالى (أهل الكتاب) لما أنزل عليهم من كتب سماوية، وهم اليهود والنصارى، وقسم سماه (المشركين) وهم الذين أشركوا مع الله إلهاً آخر، ولم ينزل عليهم كتاباً من عنده، والذين أنكروا الألوهية أصلاً، قال تعالى: لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين منفكين حتى تأتيهم البيـِّنة (البيـِّنة: آية 1).
وأخذ الكافرون في محاربة الله تعالى بالسعي في الأرض فساداً، فجعلهم الله تعالى أعداءً له، قال تعالى: من كان عدواً لله وملائكته ورسله وجبريل وميكال فإن الله عدو للكافرين (بقرة: آية 98)، وقال: ويوم يحشر أعداء الله إلى النار فهم يوزعون (فصلت: آية 19)، وقال: فلنذيقن الذين كفروا عذاباً شديداً ولنجزينهم أسوأ الذي كانوا يعملون ۝ ذلك جزاء أعداء الله النار لهم فيها دار الخلد جزاءً بما كانوا بآياتنا يجحدون (فصلت: 27، 28)، ونهى الله تعالى عباده المؤمنين عن موالاة أعدائه وأخبرهم أن أعداءه أعداء لهم فقال: يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء . . . الآية (الممتحنة: آية 1)، وأخبرنا الله تعالى عن حرب أعدائه له وحربه لهم فقال: إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فساداً أن يقتلوا . . . الآية (المائدة: آية 33)، وقال عمن يخالف أمره ويتعامل بالربا: . . . فأذنوا بحرب من الله ورسوله . . . الآية (البقرة: آية 279)، وقال عن اليهود خاصة وعن إفسادهم في الأرض: . . . كلما أوقدوا ناراً للحرب أطفأها الله ويسعون في الأرض فساداً والله لا يحب المفسدين الآية (المائدة: آية 64).

من هذا نعلم أن لله تعالى أعداءً يحاربهم ويحاربونه، وقد ثبت هذا لكل دارس لتاريخ البشرية، وكانت حرب الله تعالى لأعدائه إما بأخذهم بالقدرة الإلهية المباشرة، مثل ما فعل بقوم فرعون وقوم هود وقوم شعيب وقوم صالح وقوم لوط وغيرهم، أو بتسليط عباده المؤمنين على عباده الكافرين كما حدث من تسليط داود وسليمان عليهما السلام وغيرهما على عباده الكافرين، أو تسليط عباده الكافرين بعضهم على بعض كما حدث من حروب بين النصارى الروم والفرس المجوس وغيرهم، كما أنه تعالى يعاقب عباده المؤمنين إذا عصوه وتخلوا عن طاعته وعن إيمانهم بتسليط عباده الكافرين عليهم، كما حدث من تسليط بختنصر على بني إسرائيل، وتسليط المغول والتتر على المسلمين، وأمثال ذلك.

قبل الإسلام بأكثر من أربعة آلاف سنة، (التقى موسى بالخضر عليهما السلام، فقال موسى للخضر: السلام عليك، فأجابه الخضر: وأنـَّى على أرضك السلام؟) أخرجه البخاري، أي كيف يكون على هذه الأرض سلام؟ فالتاريخ يثبت أنه لم يكن سلام في العالم قبل الإسلام بين الله تعالى وبين عباده، وكذا بعد الإسلام، فإن بعد بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم خاتم الأنبياء والرسل إلى الناس كافة، والذي أرسله الله تعالى رحمة للعالمين، كما نص على ذلك القرآن الكريم، وبعد إنزال الله تعالى شريعة واحدة للبشرية، بعد أن كانت الشرائع تختص كل قوم بشريعة، أمر الله تعالى نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم بقتال أعدائه، فقال له: فقاتل في سبيل الله لا تكلف إلا نفسك وحرض المؤمنين عسى الله أن يكفّ بأس الذين كفروا . . . الآية (النساء: آية - 84)، وفرض الله تعالى القتال على المؤمنين فقال تعالى: كتب عليكم القتال وهو كره لكم . . . الآية (البقرة: آية 216)، وقال: فليقاتل في سبيل الله الذين يشرون الحياة الدنيا بالآخرة، ومن يقاتل في سبيل الله فيقتل أو يغلب فسوف نؤتيه أجراً عظيماً (النساء: آية 74)، فكان من أمره تعالى بقتال المشركين . . . فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد . . . الآية (التوبة: آية 5)، وقال: واقتلوهم حيث ثقفتموهم . . . (البقرة آية 191- والنساء: آية - 91)، وقال: . . . وقاتلوا المشركين كافة كما يقاتلونكم كافة . . . الآية (التوبة: آية - 36) وقال: . . . واقتلوهم حيث وجدتموهم ولا تتخذوا منهم ولياً ولا نصيراً الآية (النساء: آية 89)، وأما عن قتال أهل الكتاب فقد قال تعالى آمراً المؤمنين: قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون (التوبة: آية 29)، وقد ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام وحسابهم على الله) أخرجه البخاري ومسلم.

أما أحاديث الجهاد في سبيل الله وإعلاء كلمته، فهي كثيرة مدونة في كتب الحديث لمن شاء أن يراجعها، وأمر الله تعالى بالجهاد في سبيله جليّ صريح في قوله تعالى: انفروا خفافاً وثقالاً وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم في سبيل الله ذلكم خير لكم إن كنتم تعملون (التوبة: آية -41)، ووعد الله تعالى عباده المؤمنين بالنصر ووعده صدق، فقال تعالى: يا أيها الذين آمنوا إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم (محمد: آية - 7)، وقال تعالى: . . . ولينصرن الله من ينصره . . الآية (الحج: آية - 40)، وقال: إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد (غافر: آية - 51)، وقال تعالى: . . . وكان حقاً علينا نصر المؤمنين الآية (الروم: آية - 47)، ولما علم الله تعالى من بعض عباده أنه قد يأسف على قتال إخوانه في الإنسانية وقتلهم، أزال الله تعالى عنهم هذا الأسى بقوله: قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم . . . الآية (التوبة: آية - 14)، وقال: فلم تقتلوهم ولكن الله قتلهم . . . الآية (الأنفال: آية - 17)، فنسب تعالى عذاب أعدائه وقتلهم إلى نفسه حتى يجد المؤمن في نفسه الراحة والبراءة من القتل، لأنه فعل ذلك عن أمر الله تعالى وطاعة له.
هذا عرض موجز بالأدلة، يدل على أن الحرب بين الله تعالى، الخالق الملك السلام، وبين أعدائه قائمة منذ الأزل، قبل الإسلام وبعده، فكيف بين العباد بعضهم البعض، وقد جبلوا على الشر والظلم؟!! ليتميز الخبيث من الطيب.

أما عن تاريخ السلم منذ بعث محمد صلى الله عليه وسلم بدين الإسلام وما سيكون إلى يوم القيامة، فقد أثبت التاريخ أن الأمم والشعوب مع اختلاف أعراقها وألوانها التي عاشت في ظل الدولة الإسلامية لم تنعم بالسلام والأمان بمثل ما نعمت به في ظل هذه الدولة، خاصة مدة الخلافة الرشيدة، التي لم تدم أكثر من أربعين سنة بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، والتي كان المسلمون فيها على أعلى درجات الإيمان من سلامة العقيدة وإقامة الشريعة الإسلامية، وفي ظل القرون الثلاثة الخيرة التي سبق الإشارة إليها وصل الإسلام وعم السلام ما شاء الله تعالى من مشارق الأرض في الهند والصين إلى مغربها في الأندلس والمغرب الأقصى وإفريقية، مع ما حدث من خروج عن النهج الإسلامي القويم بين المسلمين، من حروب بغية استلام الحكم والسلطة والاختلاف على الإمارة بغية الاستئثار بشرف نشر الدعوة وتبليغ رسالة الإسلام، فأخذ اليهود والنصارى والمجوس - وكلهم لم يكن له حول ولا قوة في مواجهة المسلمين ودعوة الإسلام - بالعمل والكيد في تفريق المسلمين والوقيعة بينهم بكل ما استطاعوا من نشر الأفكار والعقائد المضلة والخارجة عن الإسلام الحق، فتفرق المسلمون شيعاً وفرقاً، وقد أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك بقوله: (افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة، وافترقت النصارى على اثنتين وسبعين فرقة، وتفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة)، حدث هذا مع تحذير النبي صلى الله عليه وسلم لأمته بقوله: (لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض) أخرجه البخاري ومسلم.

استمر ازدياد رقعة الدولة الإسلامية في القرون الثلاثة الخيرة مع وقوع الفتن بين المسلمين، وأعقب ذلك ترف وسعة في الدنيا دخلت على المسلمين نتيجة الفتح الإسلامي، مما أدى إلى ظهور المعاصي ومخالفة أمر الله تعالى، والتنافس في الدنيا، فسلط الله تعالى على المسلمين المغول والتتر والصليبيين النصارى، عسى أن يفيق المسلمون ويرجعوا إلى أمر دينهم، ولكن سبقت كلمة الله تعالى ولتقوم حجة الله تعالى عليهم، وقد سبق أن حذرهم في كتابه العزيز، فقال: ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق ولا يكونوا كالذين أوتوا الكتاب من قبل فطال عليهم الأمد فقست قلوبهم وكثير منهم فاسقون (الحديد: آية - 16)، ففعل الزمان في المسلمين ما فعل في أهل الكتاب، فقست قلوب المؤمنين، وركنوا إلى الحياة الدنيا مع تنبيه وتحذير رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: (والله ما الفقر أخشى عليكم ولكني أخشى عليكم أن تبسط الدنيا عليكم كما بسطت على من كان قبلكم فتنافسوها كما تنافسوها وتهلككم كما أهلكتهم)، أخرجه أحمد، وقد أثبت تاريخ المسلمين وقوع كل ما أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، من فتن وتفريط بين المسلمين وتفرقهم شيعاً ودولاً حتى شاء الله أن تقوم الخلافة العثمانية الإسلامية، وهي آخر خلافة إسلامية لتبليغ دعوة الإسلام ويسلم من شاء الله تعالى أن يسلم من أهل البلقان وشرق أوروبا حتى بلغ الإسلام مشارف النمسا، في الوقت الذي زالت فيه دولة الإسلام في الأندلس بعد ما وقع فيها من فتن وانقسام دويلات إلى غير ذلك مما هو مدون في كتب التاريخ.

ازداد تراكم الفساد عبر القرون حتى كانت آخر الخلافة العثمانية وعم الظلم من الراعي والرعية، فتعطلت الحدود والأحكام، فسلط الله تعالى النصارى على المسلمين في أواخر الدولة العثمانية، فاحتلوا العالم الإسلامي بأسره من مشارق الأرض إلى مغاربها، ولم يتركوا سوى مكة والمدينة المنورة، سياسة حتى لا يتجمع المسلمون بعد تفرقهم ويتنادوا إلى الجهاد في سبيل الله، كل ذلك مصداق قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يوشك أن تداعى عليكم الأمم كما تداعى الأكلة على قصعتها، فقال قائل: من قلة نحن يومئذ؟ فقال: بل أنتم يومئذ كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السيل، ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم، وليقذفن في قلوبكم الوهن، قيل: وما الوهن يا رسول الله؟ قال: حب الدنيا وكراهية الموت).

ما حدث فعلاً يدل على أن أجدادنا من أواخر الدولة العثمانية لم يكونوا مستمسكين بدينهم، ولا كان إيمانهم صادقاً مصمتاً، فإن الله تعالى وعد ووعده صدق فقال: وكان حقاً علينا نصر المؤمنين، وقال: . . . ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلاً (النساء: آية - 141)، فلم يظهر النصارى على المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، إلا والمسلمون قد ضعف إيمانهم، ولم تتوفر فيهم شروط الإيمان الذي يستحقون به نصرة الله تعالى، واستمر احتلال النصارى للعالم الإسلامي بأسره من قبل الحرب العالمية الأولى إلى ما بعد الحرب العالمية الثانية، واستبدلت كلمة الحرب الصليبية بكلمة الاستعمار، وظهرت بذلك الحركات الوطنية وطلب الاستقلال مع انتشار العلمانية في العالم الإسلامي، وبذلك نسخت عبادة الجهاد في سبيل الله تعالى، وقد حذر رسول الله صلى الله عليه وسلم من ذلك فقال: (إذا تركتم الجهاد سلط الله عليكم ذلاً لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم) أخرجه أبو داود، وقال مخبراً عما سيجري على أمته فقال: (إذا تركوا الجهاد في سبيل الله أدخل عليهم ذلاً لا يرفعه حتى يراجعوا دينهم) أخرجه ابن حبان والطبراني والبيهقي - فحكمت العلمانية تركيا مهد الخلافة العثمانية الإسلامية، وانتشرت العلمانية والشيوعية والاشتراكية في العالم الإسلامي تحت شعار الديموقراطية بدلاً من الإسلام، فسنت القوانين والشرائع المخالفة والبعيدة عن الشريعة الإسلامية في العالم الإسلامي، وبدأ المسلمون في الخروج من دين الله أفواجاً كما سبق أن دخلوه أفواجاً.
بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية كانت العوالم مهيأة لقيام دولة إسرائيل في قلب العالم الإسلامي، الذي لم يبق منه إلا اسمه وفقد الإسلام معناه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لتتبعن سـَنـَن من كان قبلكم شبراً بشبر وذراعاً بذراع حتى لو دخلوا جحر ضب لتبعتموهم، فقلنا: يا رسول الله اليهود والنصارى؟ قال: فمن؟) أخرجه البخاري ومسلم.

خرج الصليبيون من العالم الإسلامي بعد أن فرغوه من قوته وجردوه من سلاحه وهو حقيقة الإسلام والتمسك به والجهاد في سبيل الله، وأقام الصليبيون دولاً ودويلات، يخشى فيها حكامها الإسلام أكثر مما يخشاه أعداء الإسلام، وترفض فيه عامة الشعوب إقامة أحكام الإسلام لما فيه من قيود وتكاليف وحد من الحرية في إشاعة الفجور والفحش واللهو بأنواعه، الذي أخذ ألواناً مختلفة باسم الفن والثقافة والحرية الشخصية والسياحة والرياضة إلى غير ذلك مما يتنافى مع أحكام الشريعة الإسلامية، فأصبح العالم الإسلامي يحكم بالوكالة عن اليهود والنصارى، والمسلمون المتمسكون بدينهم يلقون من القهر ما لم تكن الدول الاستعمارية الصليبية تقدر على الإتيان بمثله، ذكر الشيخ الأكبر محيي الدين ابن العربي في كتابه "الفتوحات المكية" في ج4ص544 أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خاطب أمته فقال: (أيها الناس إن بين يدي الساعة أموراً شداداً، وأهوالاً عظاماً، وزماناً صعباً تتملك فيه الظلمة، ويتصدر فيه الفسقة، فيضطهد الآمرون بالمعروف، ويضام الناهون عن المنكر، فأعدِّوا لذلك الإيمان، وعضوا عليه بالنواجذ، والجؤوا إلى العمل الصالح، وأكرهوا النفوس عليه، واصبروا على الضراء، تفضوا إلى النعيم الدائم) اهـ، كما أصبح الإسلام يحارب بالوكالة بوساطة أقلام تحمل أسماء مسلمة من نساء ورجال في شتى أقطار العالم الإسلامي، بما لم يكن يجرؤ يهودي أو نصراني - في حماية الاستعمار الصليبي - أن يكتب مثله، خشية ردة فعل مسلم من المسلمين، كل ذلك يجري تحت شعار حرية الرأي وحرية الكلمة، وبدعم وحماية أنظمة الحكم، وازدادت حركة الشعوبية والقبلية في العالم الإسلامي، كل ذلك بتقدير العزيز العليم حتى تقوم دولة إسرائيل وتترعرع في ظل معارضة القومية العربية بدلاً من محاربة ومواجهة المسلمين باسم الجهاد في سبيل الله.

هذه لمحة موجزة ومختصرة عن تاريخ السلم بين المسلمين أنفسهم وبين النصارى وغيرهم من يهود وشيوعيين، وثابت في كتب التاريخ أنه لم يكن سلام قط متوفر في العالم الإسلامي بعد الخلافة الراشدة، أما عن العالم غير الإسلامي، ففي الوقت الذي كانت تتسع فيه رقعة الدولة الإسلامية، وينتشر الإسلام بين الشعوب، فتاريخ العالم غير الإسلامي مليء بالحروب والنزاعات والهمجية والمذابح التي لم تهدأ أبداً، وكان آخر ما يهمنا في هذه اللمحة هي الحرب العالمية الأولى والحرب العالمية الثانية، ولم يكن للمسلمين فيهما يد بل قامت بين النصارى والبوذيين واللادينيين من شيوعيين، وهذا التاريخ المعاصر بين يدي أي دارس لم تنسه البشرية بعد شاهد على ذلك، فلم تتوقف الحروب والفتن بين شعوب الأرض لا في آسيا، ولا في أفريقية، ولا في أمريكا اللاتينية، وحتى في أوربا إلى يومنا هذا.
فالمؤمن الحق الذي يؤمن بما جاء به القرآن الكريم وما أخبر به رسول الله صلى الله عليه وسلم ينظر اليوم إلى السلم من خلال ما جاءت به الأخبار الإلهية والنبوية، وهو ما سيحدث فعلاً، وهو ما نشير إليه موجزاً في هذه الرسالة.

كيف لإنسان عاقل أن لا يؤمن برسالة محمد صلى الله عليه وسلم، وما جاء به من عند الله تعالى، وهو الذي أخبر منذ ألف وأربعمائة سنة عن قيام دولة إسرائيل، في وقت لم يكن لليهود في العالم ولا على وجه الأرض دولة ولا تجمع يعمل له حساب؟!! فقد جاءت سورة الإسراء في القرآن الكريم واسمها سورة بني إسرائيل، تخبر أن بيت المقدس سيكون في آخر الزمان بيد اليهود، كما جاء في الآية السابعة من السورة، وأن الله تعالى سيأتي باليهود ويجمعهم من بقاع الأرض ليجتمعوا حول بيت المقدس، كما جاء في آخر سورة الإسراء، وأخبر الله تعالى في هذه السورة عن علو اليهود في الأرض علواً كبيراً وأنهم أكثر نفيراً أي أنصاراً، وهو ما نراه واقعاً اليوم، كما أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الذي يقتل اليهود هم المسلمون لا العرب فقال: (لا تقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون اليهود، فيقتلهم المسلمون، حتى يختبئ اليهودي من وراء الحجر والشجر، فيقول الحجر أو الشجر يا مسلم يا عبد الله، هذا يهودي خلفي فتعالى فاقتله، إلا الغرقد فإنه من شجر اليهود) أخرجه البخاري ومسلم.

وقال تعالى محذراً المؤمنين: يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين (المائدة: آية - 51)، ويخاطب الله تعالى رسول الله صلى الله عليه وسلم محذراً والمقصود أمته، فيقول: ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم قل إن هدى الله هو الهدى ولئن اتبعت أهواءهم بعد الذي جاءك من العلم ما لك من الله من ولي ولا نصير (البقرة: آية - 120)، ويقول تعالى: لا تجد قوماً يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادّون من حادّ الله ورسوله، ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم أولئك كتب في قلوبهم الإيمان وأيـّدهم بروح منه ويدخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها رضي الله عنهم ورضوا عنه أولئك حزب الله ألا إن حزب الله هم المفلحون (المجادلة: آية - 22)، ويقول تعالى: بشر المنافقين بأن لهم عذاباً أليماً ۝ الذين يتخذون الكافرين أولياء من دون المؤمنين أيبتغون عندهم العزّة فإن العزّة لله جميعاً (النساء: آية - 138، 139)، ويقول تعالى: من كان يريد العزّة فإن العزّة لله جميعاً. . . الآية (فاطر: آية - 10)، ويقول: . . . ولله العزّة ولرسوله وللمؤمنين ولكن المنافقين لا يعلمون الآية (المنافقون: آية - Cool.
فأين العزّة للمؤمنين المسلمين الآن؟ وهل هم مؤيدون بروح من الله تعالى أم هم مخذولون؟ وهل المسلمون الآن مؤمنون حقاً؟ أم أن ما جاء في كتاب الله تعالى غير صحيح؟!! حاشاه.

من هذه الآيات الكريمة والأخبار النبوية، نعلم أن الذين سيقاتلون اليهود هم المسلمون حقاً لا العرب، فإنه ليس كل مسلم عربي، بل قال صلى الله عليه وسلم: (ويل للعرب من شر قد اقترب) أخرجه أبو داود، فإنه لا ويل للمسلمين، بل لهم العزّة والنصرّة، ونعلم أنه لن يظهر الإسلام ولا يجتمع المسلمون على حرب اليهود إلا بعد الحرب الذرية القادمة، وما يعقبها من فوضى، وهذه الحرب واقعة بإخبار الله تعالى في قوله تعالى: . . . حتى إذا أخذت الأرض زخرفها وازيـّنت وظنّ أهلها أنهم قادرون عليها أتاها أمرنا ليلاً أو نهاراً فجعلناها حصيداً كأن لم تغن بالأمس . . . (يونس: آية - 24)، ومعلوم أن القنابل النووية العابرة للقارات تنطلق من الشرق والغرب في وقت واحد، فتحصد نصف الأرض ليلاً، وتحصد النصف الآخر نهاراً، وتعم الفوضى ما بقي من بشر أحياء على وجه الأرض، وأكثرهم في منطقة الشرق الأوسط، فإن المسلمين فيها من ضحايا الحرب الذرية لا من موقديها، ولا يوجد في هذه المنطقة إلا القليل من الأهداف الذرية الاستراتيجية والتكتيكية، على العكس من الشرق والغرب، وهذه الحرب النووية هي الطوفان الناري الذي يأتي في زمان أمة آخر الرسل محمد صلى الله عليه وسلم، كما كان الطوفان المائي الذي عم الأرض في زمان أول الرسل نوح عليه السلام، فطهر الأرض من رجسها، فيأتي الطوفان الناري ليحصد الأرض حتى تتهيأ لأن يقتل المسلمون اليهود، وتمهيداً لنزول عيسى عليه السلام كما نعتقد ونؤمن نحن المسلمين، ولرجعة عيسى كما يعتقد النصارى، ولظهور المسيح كما يعتقد اليهود، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لو لم يبق في الدنيا إلا يوم واحد، لطوَّل الله ذلك اليوم، حتى يبعث الله رجلاً مني أو من أهل بيتي، يواطئ اسمه اسمي، واسم أبيه اسم أبي، يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً) لأبي داود، وهذا الرجل هو المهدي الذي يقاتل اليهود في إسرئيل تمهيداً لنزول عيسى حيث يقتل عيسى عليه السلام الدجالَ بباب لد من فلسطين، ويكون القتال بالسلاح الأبيض من سيف وأمثاله كما سبق أن أشار إليه حديث قتال اليهود، وتصديقاً لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة) أخرجه البخاري ومسلم ومتفق عليه، ثم تخرج يأجوج ومأجوج التي أتى ذكرهم في القرآن الكريم، كل ذلك جاء في كتاب الله تعالى ومبيَّن في الأحاديث النبوية من أخبار الملاحم والفتن وأشراط الساعة.
فكيف لمؤمن يؤمن بالله حق الإيمان وبما جاء من عنده أن يتصور أن يسود السلام العالم مع هذه الأخبار المقطوع بها من أن الأرض تملأ ظلماً وجوراً، فيتوهم العكس بأن العدل والسلام يعم العالم؟!!.

السؤال الثامن:
هل هناك اقتراحات لمصادر أخرى من كتب . . . تدرس موضوع الإسلام والسلم؟

الجواب على السؤال الثامن:
في القرآن الكريم وفهم ما جاء به، وفي الحديث النبوي الثابت في كتب الحديث عن أشراط الساعة والفتن والملاحم، بيان وغنيَّة لمن أراد أن يعرف الحق ولا يتبع الوهم.

تعليق على نشاطات كرسي محمد سعيد فارسي في الجامعة الأمريكية بواشنطن دي.سي كما جاء في الملحق المرفق بالرسالة:

لا شك في أن كرم محمد سعيد فارسي وتبرعه بمبلغ (2,6) مليون دولار للجامعة الأمريكية بواشنطن، قد أتى ثمرته وحصل الفارسي على كرسي باسمه في الجامعة، وقد دخل محمد فارسي التاريخ من باب ضيق لا يمكن لأحد أن يدخل منه، إلا من كان له مثل ما للفارسي من إمكانيات مالية تبلغ الملايين أو المليارات من الدولارات، ولكنه خرج من باب واسع، يخرج منه كل يوم آلاف من عامة المسلمين.

إن فكرة هذا الكرسي، وهي أن الإسلام دين سلام موادع، وأنه يمكن أن يتعاون مع الأديان الأخرى لتحقيق سلام عالمي، هي فكرة قد سبق الفارسي إليها جماعة تسمى "الماسونية"، كانت تعمل على التآخي بين اليهودية والنصرانية والإسلام، مقتصرة على الأديان الثلاثة، وقد تم إنشاء هذه الجمعية قبل الحرب العالمية الأولى، وانتشرت في العالم الإسلامي، حتى لا يكاد يكون أحد من حكام العالم الإسلامي، أو ممن له كلمة مسموعة أو نفوذ في العالم الإسلامي، إلا وهو واحد من هذه الجماعة، وقد أدت هذه الجمعية رسالتها بنجاح تام، وحققت ثمرتها بقيام دولة إسرائيل بعد الحرب العالمية الثانية، ثم افتضح أمر هذه الجماعة، فاستبدلت بنادي الروتاري، وبعد كثرة اللغط حول هذا النادي، نشأت فكرة السلام العالمي بين الشعوب، بمحاولة توسعة فكرة الماسونية، بعدم الاقتصار على الأديان الثلاثة، بل بجمع أديان أخرى مثل الهندوسية، والبوذية، والكونفوشية، للاتفاق على أرضية مشتركة، تؤدي إلى سلام بينها وإزالة أسباب النزاع، كما جاء في البند الرابع من نشاطات الكرسي، ومهما كان الهدف من هذه الفكرة التي تؤدي إلى غاية هي استسلام الضعفاء للأقوياء، وتخلي المستضعفين عن استخدام العنف في مواجهة قوى خارجية أو أوضاع داخلية تختلف في كل بلد من العالم عن الآخر، فما يهمنا هو ظهور جماعات تستخدم العنف باسم الإسلام والجهاد في سبيل الله، ومهما كانت دوافع هذه الجماعات، فإنها لن تؤثر في عودة ظهور الإسلام في هذا العصر، ولن تحقق شيئاً، وقد تكون هذه الأفعال التي تقدم عليها هذه الجماعات، نتيجة قصور في فهم ما جاء به القرآن، وما أمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم بالسلوك عند الفتن في آخر الزمان مما أدّاهم إلى خطأ في الاجتهاد، ومن المحتمل أن وراء هذه الجماعات أعداء الإسلام - سواء كانت هذه الجماعات تعلم أو لا تعلم - بقصد القضاء على أجيال تنشأ على تعاليم الإسلام، متمسكة بدينها، فتأتي هذه الجماعات بما تقدم عليه من أعمال عنف، تأتي بمبررات لحكام العالم الإسلامي للقضاء على هذه الأجيال، ظناً من أعداء الإسلام، أن هذا يوصلهم إلى بغيتهم، والواقع أن المسلمين مجتمعين بعددهم الذي يربوعلى المليار نسمة لا يخيفون صرصراً في هذا الزمان، وأعداء الإسلام يعلمون ذلك تمام العلم، ولكنهم يفرقون ويفزعون من سماع كلمة الإسلام، خوفاً من أن يعود المسلمون إلى دينهم، ويتنادون للجهاد في سبيل الله تعالى - وهذا لن يكون إلا بعد الحرب النووية - فيظنون أنهم يستطيعون محو هذه العقيدة من قلوب المؤمنين بطرق شتى، منها تسييس الإسلام وتحديثه بالتجديد والإصلاح حتى يفرغوه من أصوله، وهذا وهـْمٌ من أعداء الإسلام، فإن الله تعالى كفل حفظ دينه، فقال: إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون (الحجر: آية - 9)، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين حتى يأتيهم أمر الله وهم ظاهرون) متفق عليه.

وأعود فأطمئن العالم أن لا ظهور للإسلام ولا للمسلمين إلا بعد فترة الفوضى التي تعقب الحرب الثالثة النووية، التي قد تقع غداً، أو بعد ألف عام، فإن الله إ ذا أراد نفاذ أمر سلب ذوي العقول عقولهم، وأؤكد أن إسرائيل باقية إلى ما بعد الحرب الذرية، فإنها الدولة الدينية الوحيدة الآن على وجه الأرض، التي تؤمن وتعمل على تحقيق ما جاء في كتابها التوراة، وكل ما يجري الآن هو تصديق ما جاء به القرآن الكريم، وبيَّنه رسول الله صلى الله عليه وسلم.

أما ما جاء في الفقرة السادسة، من نشاطات كرسي محمد سعيد فارسي، وهو إقامة معارض ومهرجانات ثقافية، لتعريف منطقة واشنطن دي سي فضلاً عن الجامعات الأمريكية بالإسلام، وخصت بالذكر الفن والعمارة والطب والموسيقى والرقص في الإسلام، فهو يدعو للتعجب، فإنه لا يوجد في الإسلام موسيقى إسلامية، بل هناك موسيقى شرقية تختلف باختلاف الشعوب والأقوام، مثل التركية والإيرانية والمصرية والسودانية والمغربية إلى غيرها من الشعوب وهي متوارثة من قبل الإسلام، وكذلك لا يوجد رقص اسمه الرقص الإسلامي، بل هو رقص شرقي يختلف باختلاف الشعوب، وما طورته عبر القرون، فالعجب أن يدرج هذا في النشاطات التي تعرِّف بالإسلام، وتخلو نشاطات الكرسي عن التعريف بالعقيدة والعبادات والأحكام والمعاملات والأخلاق والحلال والحرام في الإسلام.
والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.

والحمد لله رب العالمين

محمود محمود الغراب
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
designpromise

designpromise


عدد الرسائل : 100
تاريخ التسجيل : 12/05/2010

لإســــلام والســــلم Empty
مُساهمةموضوع: برومس جروب   لإســــلام والســــلم Emptyالأربعاء مايو 12, 2010 12:32 pm

lol! ركز معايا شويه

Question Question عروض خاصه جدا Question Question


Exclamation Exclamation Exclamation تصـميــم موقـــــــع كامل ب100 جنيه فـقـــــط Exclamation Exclamation Exclamation

طباعه ورق إسود : 25 قرش
كتابه وطباعه ورق أسود : 50 قرش
طباعه ورق ألوان : 2 جنيه
طباعة على أسطوانات
دورات كمبيوتر على مزاجك


كل ده واكتر على
زورو موقعنا

lol!
lol!
http://www.promisegr.com/design/index.htm

design@promisegr.com
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
لإســــلام والســــلم
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتـدى طــلاب جامعــة القاهــرة :: المنتدى العام-
انتقل الى: